banner
صفحات من كتاب "رؤية في واقع الزراعة العراقية ومستقبلها" القسم الأول

أنبثقت فكرة هذا الكتاب بعد كتابة ونشربعض الدراسات عن الملف الزراعي العراقي في بعض المواقع الأليكترونية ، وطلب العديد من المهتمين بهذا الحقل أكمال تلك الدراسات وجمعها في كتاب ليسهل مراجعته، يضم الكتاب الدراسات السابقة المنشورة وهي :

  1. دراسات في الملف الزراعي العراقي (القسم الأول)
  2. دراسات في الملف الزراعي العراقي (القسم الثاني)
  3. دراسات متخصّصة في الملف الزراعي -(1) النخيــل والتمور
  4. مشكلات الزراعة في العراق

ودراسات غيرمنشورة هي :

  1. أرقام تتحـدّث
  2. دراسات متخصّصة في الملف الزراعي (2) الثروة الحيــوانية في العراق
  3. نماذج لتقاريرميدانية مباشرة من المحافظات ،مع محاولة لأستقراءها
  4. فرص التعاون الدولية(حكومات ومنظّمات)
  5. تطويرفلسفة وهيكلية آليات الدولة في التدخّل في التنمية الزراعية

أضافة الى نقاط أخرى ذات علاقة،كما نود الأشارة الى الأستفادة في دراساتنا هذه من التجربة العملية الناتجة عن أدارتنا لوزارة الزراعة للفترة من نيسان 2009 الى نهاية عام 2010 م وأيضا لأشهر أخرى في الأعوام 2007 و 2008 ، وخاصة في مجال التعرّف الأكثرعلى المشكلات الميدانية من الذين يعانون منها مباشرة ،وكذلك في مجال التعرّف على عمق وسعة تأثيرالبيروقراطية والفساد الأداري في دوائرالدولة، وكذلك الآثارالسلبية الكبيرة لعدم التعاون والتنسيق بالدرجة المطلوبة بين وزارات الدولة المختلفة (ذات العلاقة بالقطاع الزراعي مثل النفط ،الكهرباء، التجارة والمالية وحتى الصناعة ) على التنمية الزراعية، وبالطبع على التنمية في المجالات الأخرى ، أضافة الى القصوروالتخلّف الكبيرفي التشريعات والقوانين والتعليمات الرسمية ذات الصلة بالمجال الزراعي، والتي يكتشفها المسؤول عند تصدّيه لأدارة خطة التنمية الزراعية في البلد..،وفي مقدمتها التخلّف في التشريعات والقوانين ذات الصلة بأستثمارالأراضي الزراعية .

 

في الملف الزراعي العراقي 1 ــ 2 (بغداد / تموز 2013)

الملف الزراعي في العراق من وجهة نظرنا ،أحد أهم الملفـّات الذي يجب أن يجذب أهتمام ليس فقط السلطة التنفيذية المتمثـّلة بمجلس الوزراء، بل ومعها السلطة التشريعية المتمثـّلة بمجلس النواب وحتّى قيادات الحركة الوطنية العراقية (بما فيها القوى غير المشتركة في الحكم في هذه الفترة)،أضافة الى منظـّمات المجتمع المدني ذات المصداقية ) وأن يأخذ هذا الملف الأولوية في جداول أعمال اللجان التنفيذية وكذلك في مجال أقرار القوانين والتشريعات واللوائح ،وكذلك في التخصيصات والميزانيات ، وذلك للأسباب التالية :

أولاـ مسؤولية هذا الملف عن تحقيق الأمن الغذائي (من لاأمن غذائي له لاأمن سياسي ولا أجتماعي له)، وتزداد أهمية (الأمن الغذائي) وخطورته في السنوات الأخيرة بسبب الزيادة غير المعقولة لأسعار المحاصيل والحبوب وباقي المواد الغذائية النباتية والحيوانية ومصنـّعاتها، لتزايد الطلب عليها وتأثير كوارث طبيعية متلاحقة في العديد من مناطق العالم على معدّلات الأنتاج،فضلاعن أستخدام الغذاء وسيلة للضغط على الشعوب والحكومات وتحكّــم الشركات العالمية الكبرى المتعددة الجنسيات بالسياسات الأقتصادية العالمية، بدلا من أن تكون مصالح الشعوب والشعوب الفقيرة منها بشكل خاص هي المحدّدة لتلك السياسات ( بما فيها مصالح قطاعات غير قليلة من شعوب الدول الصناعية الكبرى ) ... كما نذكّـر هنا بمقادير العملة الصعبة التي ستوفّـرها الخزينة العراقية أذا تحقـّق للعراق الأكتفاء الذاتي في مجال أنتاج الغذاء، بدلا من الأعتماد المتزايد على سياسة الأستيراد والتي وصلت في العراق الى مستويات مخجلة ومنفلتة بسبب الفساد الأداري ونمو طبقة الطفيليين الذين لايهمّهم سوى الربح السريع حتى ولو كان على حساب دمار الأنتاج الوطني ( بالرغم من وجود قدرات وطنية جيدة للأنتاج الزراعي والصناعي ) ، وكم ستضاف مقاديرأخرى من العملة الصعبة الى خزينة العراق أذا دخل بقوة الى قائمة الدول المصدّرة لبعض مفردات الغذاء (وهذا ممكن على المدى المتوسّط وليس القريب) .أضافة الى أن توفير الغذاء بالكميات وبالأسعار المناسبة هوعلى رأس أحتياجات الداخل العراقي ،بسبب بقاء أعداد غير قليلة من العراقيين تحت خط الفقر( بالرغم من ثروات العراق الهائلة) ووجود عشرات الآلاف من العوائل العراقية المنكوبة التي فقدت معيلها بسبب الظروف القائمة...وكل هؤلاء لايتمكنون من مواكبة طفرات الأسعار وشحّة بعض المواد (من المنتجات النباتية والحيوانية والصناعات الغذائية )، التي تشهدها أسواق الغذاء في المدن العراقية بين فترة وأخرى..!!

ثانياـ القطاع الزراعي هوالقطاع الوحيد القادر في هذه المرحلة على أستيعاب مئات الآلاف من الأيدي العاطلة عن العمل ، أي بتعبير آخر توفير عدد هائل من فرص العمل (والمهم في فرص العمل هذه أنها فرص عمل أنتاجية،وليست تحميلا على الدوائر الحكومية كما هو السياق السائد في هذه الأيام)، بل وبأمكان هذا القطاع المساهمة في معالجة ظاهرة البطالة المقنـّعة التي تزخر بها الكثير من دوائر الدولة وغيرها...بمعنى آخر توفير فرص عمل تكون عونا للحكومة وليست عالة عليها (المطّلعون على أوضاع الحكومة يعرفون حراجة وضعها فيما يتعلّق بطلبات التعيين المتزايدة والتي وصل أمرها الى أن تتحوّل الى مطاليب للأحزاب ووسيلة للدعاية الأنتخابية و لأثبات درجة النفوذ في الدولة .. ) أذن فالقطاع الزراعي يملك القدرة على التخفيف عن كاهل الدولة في ملفّات ذات أولوية مثل ملف العاطلين عن العمل وبضمنهم عشرات الآلاف سنويا من خرّيجي الجامعات العراقية الذين يؤشــّر عدم حصولهم على الوظائف المناسبة الى مشكلات أجتماعية وأقتصادية وحتى سياسية...وبالتالي ربما يعتبر مؤشـّـرا على عدم قدرة الحكومة على أدارة أزمات البلد بالشكل المناسب ...وكذلك يمكن للقطاع الزراعي وكما ذكرنا ، معالجة ملف البطالة المقنـّعة التي تزخر بها دوائر الدولة العراقية .وبالمناسبة نذكـّر أن التنمية الزراعية المستديمة لاتقتصر أحتياجاتها من التخصّصات العلمية على خرّيجي ثانويات ومعاهد وكليات الزراعة والطب البيطري ، بل وتشمل أغلب التخصّصات الأخرى مثل التخصّصات الهندسية والأدارية و الأقتصادية والأنسانية وغيرها . لنتأمّل في الفوائد العظيمة التي يمكن أن يجنيه المجتمع العراقي والدولة (وحتى الحكومة) العراقية،من تبنّي أنشاء( مدن أنتاج زراعي ) متعدّدة الأغراض ومتكاملة الخدمات ،يعمل بها عشرات الآلاف من خريجي الثانويات والمعاهد والكليات الزراعية والبيطرية والصناعية والهندسية والصحية والتعليمية والأدارية وغيرها..، بالطبع أضافة الى الفلاحين والمزارعين ... يتم فيها تخصيص أراضي صالحة للزراعة و ذات مصادر مياه مناسبة وأراضي للسكن ،مع خدمات كاملة (الكهرباء والماء والتصريف الصحي والأسواق والمستوصفات والمدارس والنقل وأماكن الراحة والعبادة ..الخ)،ومع منظومات التصنيع للمنتجات النباتية والحيوانية والتعبئة والتسويق ،على أن تكون بعيدة عن المراكز ذات الكثافة السكانية العالية،لكي لاتضيف أعباء جديدة عليها،ونستطيع أن نؤكّد هنا توفّرمثل هذه الأراضي وتوفّرالأموال اللازمة لمثل هذه المشاريع وماينقصنا هوالتخطيط الصحيح والمتابعة الجادة والنزاهة في التنفيذ..، وبالطبع يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورا كبيرا ومؤثّرا...

ثالثاــ يمتلك العراق وبمعدّلات عالية كل مقومات أو عناصر التنميةالزراعيةالشاملة،وأهمها

  1. العنصر البشري المؤهـّـل : لدى العراق حاليا عشرات الآلاف من حملة التخصّصات العلمية في الحقول الزراعية المتنوّعة (تم أفتتاح أول كلية للزراعة في العراق عام 1952م ضمن جامعة بغداد،وذلك في أبوغريب وبعدها في ستينات القرن الماضي تم أفتتاح الكلية الثانية في حمّام العليل في الموصل وبعدها بسنوات تم أفتتاح الثالثة في التنّومة في البصرة ...أما في عصرنا الراهن لاتخلو محافظة من كلية للزراعة وكلية للطب البيطري،أما الدراسات العليا فقد تخرّجت أول وجبة من حملة الماجستيرفي العلوم الزراعية في العراق، في كلية الزراعة في أبوغريب عام 1973م وكانوا ستة من المعيدين العاملين في نفس الكلية وأحدهم كاتب هذه الدراسة) ،وبين أولئك الآلاف من المتخصّصين العشرات من العلماء المتميّزين في حقول أختصاصاتهم ( الأنتاج النباتي ــ الأنتاج الحيواني ــ الطب البيطري ــ الأقتصاد الزراعي ــ وقاية النبات ــ تربية النبات وتطوير الأصناف المحلية ــ الثروة السمكية ــ المكائن الزراعيـة ــ الصناعات الغذائية ــ أدارة المزارع والتخطيط الزراعي ــ الأرشاد الزراعي ــ الري والبزل ــ وغيرها )، فضلا عن المئات من الكفاءات العلمية الزراعية العراقية في الخارج والمستعدّة للعمل في الوطــن بشرط توفـّر الحد الأدنى على الأقل من مستلزمات العمل والأمان ...
  2. مئات الآلاف من الأيدي العاملة الرخيصة القابلة لكسب الخبرة في العمل الزراعي بصورة سريعة ،وكذلك المئات من الفلاحين والمزارعين المتميّزين من ذوي الخبرة العالية في مجال عملهم وبعضهم لايقل مستوى خبرته و أهليته ونجاحه عن مزارعي الدول المتقدّمة زراعيا...ومن هؤلاء من لاتعوزه سوى الأمكانات المادية والتقنية ووضعه في صورة التطوّرات العلمية التقنية المتلاحقة في المجال الزراعي ، ليقدّم لوطنه مشاريع زراعية ضخمة ناجحة وذات جدوى أقتصادية عالية .
  3. العناصر الطبيعية الأولى للأنتاج الزراعي ( الأرض والماء والمناخ المناسب )متوفـّرة في العراق بصورة كافية ومناسبة . ومع علمنا ووعينا بوجود مشكلات وتحديات بعضها خطير ،تتعلـّق بتلك العناصر أو ببعضها على الأقلّ ...مثل تناقص كميات المياه القادمة من دول المنبع وتغير مواصفات تلك المياه خاصة في المنطقة الجنوبية (الأملاح والتلوّث )والتناقص السنوي وبمعدّلات غير قليلة في مساحة الأرض الزراعية ( بسبب زحف الكثبان الرملية والتصحّرو أزدياد نسبة الملوحة وقلة الأمطار والجفاف والتجريف الواسع للبساتين والأراضي الزراعية لأغراض السكن ، خاصة حول المدن المكتظـّة بالسكان أو التي تمتاز بغلاء أراضيها،وأيضــا بسبب توقّف وخراب العديد من مشاريع البزل / علما أن بعضها كلّفت الحكومات في العهود السابقة مقادير كبيرة من الأموال/ وغيرها...) ، ومثل التغيّرات السلبية العالمية في المناخ فــي السنوات الأخيرة والتي أنعكست على العراق ودول المنطقة بصورة تناقص معدّلات الأمطار السنوية وتزايد الغبار / الذي بدأيشكّل ظاهرة أقليمية وليست فقط محلية خاصة بالعراق/وتأثير

كل ذلك على المنظومات البيئية (Ecosystem) للمناطق الزراعية التي أشتهر بها العراق مثل أحواض نهري دجلة والفرات ومناطق أهوار الجنوب ومناطق الجزيرة في الموصل وحتى غابات جبال كردستان العراق وهضابها...وبالطبع يجب أن لاننسى الدور السلبي للعنصر البشري ،سواء تمثـّل بالسياسات الخاطئة للحكومات العراقية المتعاقبة في التعامل مع الأرض والماء والمناخ أو تمثـّل بالحروب المتلاحقة منذ ثمانينات القرن الماضي ومسرح أغلبها كان الجنوب العراقي أو تمثـّل بالجرائم البيئية الكبرى للنظام البعثي البائد (أبرزها جريمة تجفيف أقدم وأكبر المسطّحات المائية في المنطقة و التي يمتد عمرها الى آلاف السنين وهي أهوار الجنوب العراقي) ،وجرائم أخرى مثل أغلاق فتحات مئات العيون والآبارالطبيعية بالأسمنت وتدمير آلاف القرى التي غالبا مايعمل أهلها في الزراعة في كردستان العر اق في سبعينات القرن الماضي و تجريف آلاف الدونمات من أحسن بساتين النخيل والفاكهة في البصرة ومحافظات أخرى في الحرب العراقية الأيرانية في ثمانينات القرن الماضي...أضافة الى التأثيرات الضارّة لحركة الآلاف من الآليات العسكرية الثقيلة ( في الأراضي الزراعية والبوادي في ثلاثة حروب ) على القشرة الخارجية للتربة (والتي تلعب هي والنباتات التي تنموفيها دورا كبيرا في منع نموظاهرة التصحـّر الخطيرة ومنع زحف الكثبان الرملية على الأراضي الزراعية ومنع العواصف الترابية).....أو تمثـّل بممارسات ضارة بالبيئة وبالعناصر الطبيعية فيها مثل التبذيرالواسع للمياه من قبل بعض المزارعين والفلاحين خاصة القريبة أراضيهم من مصادر المياه والأستخدام المبالغ فيه لمبيدات الآفات الكيمياوية وأستخدام المتفجـّرات في صيد الأسماك والأستنزاف أو الأستخدام الجائر للآبار وعيون المياه العذبة...

نقول مع علمنا ووعينا لكل تلك المشكلات والتحدّيات ،الاّ أن أراضي العراق الشاسعة والمتنوّعة في طبيعتها (سهول وأحواض أنهر وهضاب وصحاري وبوادي ووديان وجبال )وما يتوفـّرمن مياه دجلة والفرات ومخزونات المياه الجوفية المتجدّدة ،والمساحات المتوفـّرة من الأراضي الزراعية وبقاء نفس المناخ بمشكلاته الحالية..كل تلك العناصر الطبيعية تسمح ببدأ وتطوير تنمية زراعية هائلة في العراق...أما أذا أخذنا بالتقنيات الحديثة والسياسات الزراعية الصحيحة ونتائج الأبحاث العلمية التي تعمل بها البلدان المتقدّمة علميا وزراعيا وأقتصاديا والتي تغرق العالم كله بأنتاجها الزراعي والغذائي (مثل منظومات الري بالتنقيط والمرشـّات المحورية وأستخدام مياه الصرف الصحي وحتى مياه البزل لأغراض زراعية وبرامج تربية النبات و تحسين صفات الأصناف المحلية وأستيراد البذورالمحسّنة ذات الأنتاجية العالية والمناسبة للبيئة العراقية / وهي تختلف عن البذورالمتلاعب بها وراثيا والتي يجب الحذر منها / والأستخدام الواسع للمكننة الزراعية وبرامج مكافحة الآفات والأدغال وخاصة المكافحة الطبيعية وتطوير برامج التسميد للفاكهة والخضراوات وبرامج التغذية واللقاحات لحيوانات المزرعة وتطوير ونشر الطرق الحديثة في تربية الأسماك ونشر زراعة أصناف النباتات المقاومة للجفاف وللملوحة وللآفات الشائعة وتطوير سياسات الحصاد والنقل والخزن والتسويق و الصناعات الغذائية وتصنيع باقي المخلّفات النباتية وسياسات الأرشاد الزراعي وتطوير أدارة المزارع ...وغيرها من المجالات التي تزخربالتطورات العلمية الحديثة) ..نقول لوأخذنا بكل أوبعض ذلك لتغلّبنا على الكثير من المشكلات والتحدّيات الخاصة بالعناصر الطبيعية للأنتاج الزراعي (الأرض والمياه و المناخ ).أن دولا أصغر بكثير من مساحة العراق مثل هولندا لاتملك عشر (بضم العين) ثروات العر اق ، ومثل الأردن الذي لايملك حتى واحد بالعشرة من مياه العراق ،الاّ أنهما يصدّران للعالم منتجات زراعية تشكّل جزءا مهما من دخلهما الوطني.

رابعا ـ ربما تمثـّل التنمية الزراعية الشاملة في هذه المرحلة الهامة من تاريخ العراق ،فرصة مهمّة بل ضرورية لمواجهة تحدّيات خطيرة لاتنحصر في مجال توفير الغذاء وأمتصاص أيد عاطلة عن العمل ،بل ومواجهة تحديات سياسية وأجتماعية وأمنية وقيميـّةقائمة وقادمة ،ولنشرح ذلك بشيء من التفصيل للقاريء الكريم من خلال النقاط التالية :

1ـ واحدة من أخطر التحدّيات التي تواجهها الحكومة العراقية الحالية (وأية حكومة وطنية قادمة )،هي بقاء تصدير النفط موردا وحيدا لميزانية الدولة وكذلك بقاء أموال النفط المباع وأموال أخرى خاصة بالعراق تحت صيغة معقـّدة من صيغ الوصاية الدولية ،وبالأخصّ الوصاية الأمريكية غير المباشرة (والأعذار كثيرة وجاهزة من قبيل بقاء العراق تحت البند السابع أو الشكاوى الأمريكية والغربية المطالبة بالتعويضات وديون مزعومة لدول أخرى بسبب سياسات وحروب النظام البعثي البائد وغيرها)،و ستزداد خطورة تداعيات هذه الحالة كلّما أصرّت الحكومات العراقية والقوى الوطنية العراقية على أستكمال مقومات وعناصر الأستقلال والسيادة الوطنية وعلى التخلّص السريع من الحضور الأمني الأجنبي في البلاد ومواجهة التدخـّلات الخارجية (خاصة الغربية) في الشــــــــــؤون الداخلية .. ( تم أستخدام الضغط الأقتصادي والحصار ومحاولة التحكّم بكميات وأسعار النفط المصدّرمع كل الدول التي وقع فيها تغيير حقيقي وحصلت فيها تطوّرات سياسية لاترغب بحصولها الدول الأستعمارية الكبرى )بالطبع سوف لن تقصّر أية حكومة وطنية في الدفاع عن حقوق ومصالح العراق من خلال الهيئات والمقررات الدولية والتعجيل بأتـّخاذ الأجراءات القانونية والعملية للحفاظ على ثروة العراق الوطنية ولدى الحكومة العراقية الكفاءات المهنية اللازمة لذلك ،كما ستحصل بالتأكيد على دعم كل القوى الوطنية ،ألاّ أن وضع الحكومة الوطنية سيكون أقوى بكثير عندما تحقـّـق أكتفاءا ذاتيا في أنتاج المحاصيل وباقي المواد الغذائية اللازمة لمعيشة المواطنين ومهما كانت الظروف والضغوط ..وكذلك عندما توفرمن خلال الأنتاج الوطني المواد الأولية اللازمة لصناعاتها المحلية الضرورية، وكل التجارب العالمية تشيرالى أن الدول والشعوب التي صمدت في وجه الضغوط (والتي استمرّت في بعض الحالات لعقود من الزمن) هي التي نجحت في تحقيق مقولة ( تأكل ماتزرع وتلبس ماتصنع)،ولتكن القيادات الوطنية في العراق على يقين من أن أياما طويلة صعبة في أنتظارالعراق ، أذا بقيت مصرّة وثابتة في مواقفها الوطنية وخاصة في مجال أستكمال مقوّمات الأستقلال (خروج قوات وقواعد وأجهزة الأحتلال والشركات الأمنية والمنظـّمات الأرهابية الأجنبية المرتبطة بها من العراق)،ومصرّة على الدفاع عن حقوق العراق وشعبه، وأذا بقيت منحازة الى مصالح شعوب المنطقة ورافضة لسياسات الهيمنة الأستعمارية ...هنا سيكون الأكتفاء الذاتي في أنتاج المحاصيل والمواد الغذائية الضرورية لمعيشة المواطنين العراقيين ،خيرمعين لصمود الحكومة والشعب في وجه الضغوط والمؤامرات وسياسات القوى الأستعمارية الكبرى لتجويع الشعوب وأذلالها وأفقارها .

2ـ يجب أن يعترف المتصدّين لأدارة الحكم وتوجيه المجتمع في العراق ،ولو كان في الأعتراف مرارة،بأن المجتمع العراقي وبعد ثلاثة عقود ونصف من حكم النظام البعثي الفاشي العنصري والطائفي والمعادي للهوية الحضارية والقيم الأخلاقية للشعب ، النظام الذي بالغ في أستخدام خطط وسياسات تدمير أخلاقيات الشخصية العراقية وتدمير الأعراف الطيّبة للمجتمع العراقي ومحاولة أعادة صياغته (مستفيدا من تجارب المعسكر الشيوعي آنذاك) وبالغ في أستخدام التخويف والتجويع والأذلال وتأجيج الصراعات الجانبية لكسر شكيمة العراقيين و أرادتهم ومحاولة مسخ تلك الشخصية المتميّزة ...بعد كل تلك السنوات المظلمة وماتبعها من سنوات الأحتلال الأجنبي والهجمة الشرسة لقوى الأرهاب والحقد والظلام وغياب خطة مركزية واضحة لأعادة بناء تلك الشخصية وترميم ماتلف من أجزائها ..يجب أن نعترف بشيوع ظواهر أخلاقية سلبية بين جنبات المجتمع العراقي {مثل ظاهرة الأتّكالية وترجيح المصالح الشخصية أذا ماتعارضت مع المصلحة العامة والخوف من تحمّل المسؤولية أوضعف الشعور بالمسؤولية الشرعية والوطنية تجاه مايواجه الوطن والمواطنين من مآسي ومشكلات وتحدّيات والنزوع الى الفردية والأرتجالية (في مقابل العمل التعاوني الجماعي والتخطيط وحُسن الأعداد ) ، وعدم الأنضباط بقواعد وضوابط السلوك الديني والأنساني الصحيح ،وغلبة الجوانب المادية على القيم والجوانب الروحية في حسابات الربح والخسارة وأفتقاد الحماسة للمهن الأنتاجية الحقيقية وتفضيل كل ما من شأنه تحقيق أرباح سريعة مهما كانت الوسائل، وضعف الحصانة والمناعة أمام أغراءات المال والعلاقات غير المشروعة وشيوع ظاهرة / يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم/ ...وغيرها } ، بعض هذه الخصال السلبية يشكّل عقبة كؤودة أمام خطط وسياسات القيادات الوطنية والدينية العراقية والحكومة العراقية،الهادفة لأستكمال مقوّمات الأستقلال والحرية وبناء المؤسّسات الدستورية والهادفة أيضا الى البناء وأعادة الأعمار..ولكن مايهمّنا هنا هوأن مبادرة تنموية زراعية جادة بمستوى الوطن توفّر لها الدولة أهم مقوّمات النجاح ربما يمكن توظيفها لمعالجة العديد من تلك الظواهر السلبية ،لأن عملية الأنتاج الزراعي تحتوي على فرص مثالية لأعادة بناءشخصية المساهمين فيها ،لمافيها من جهد كبير وعناية ورعاية مستمرّة وحاجتها الى صيغ تعاونية جماعية وتقسيم للعمل وأنتاج حقيقي نافع بل وضروري للمجتمع وأرتباط يومي مستمرمع كائنات حيّة أخرى (النبات والحيوان )... وأهم من ذلك كله هو الشعورالدائم لدى المشتغلين في الزراعة بحاجتهم الى عناية السماء والى رحمة الله وفضله ، فالسحاب والرياح والأمطاروالمناخ...هي كلها من مصاديق تلك الرحمة والفضل (بسم الله الرحمن الرحيم: أفرءيتم ماتحرثون ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون / آية 63 _آية 64 سورة الواقعة ) . العراق في هذه المرحلة بحاجة الى ثورة قيميّة :ثورة ثقافية وأخلاقية وأجتماعية شاملة يعاد من خلالها صياغة الشخصية العراقية وترميم ماتم تخريبه في العقود الماضية،وأعادتها الى جذورها وهويتها الحضارية التي تميّزت بها على مدى التاريخ ، بالطبع مع كسب كل ماهوجـيد من رصيد التجارب الأنسانية المعاصرة... تدريب الشباب العراقي على حب الوطن وحب الناس وعلى العمل الصعب والمتعب ولكن المنتج والمفيد للوطن وللمواطنين وتدريبه على العمل الجماعي التعاوني وعلى تحمّل المسؤولية ونكران الذات من أجل المصلحة العامة أضافة الى دوام الأرتباط بالله تعالى وطلب رحمته والشعور الدائم برقابته ...هو أمر مطلوب وملحّ ..

نحن نعتقد بأن خطة تنمية زراعية جادة وشاملة ويتم دعمها بقوة من قبل السلطة التنفيذية والتشريعية ومنظمات المجتمع المدني ذات المصداقية ومن قبل القيادات الدينية والأجتماعية والسياسية والعلمية ذات الكلمة المسموعة ،يمكن أن توفـّر فرص عملية مثالية تساهم في بناءتلك القيم التي أشرنا اليها وبالتالي تساهم في تحقيق أهداف تلك الثورة الثقافية الأجتماعية ،أضافة الى نتائج أقتصادية جيدة....، من الخطأ أن يفترض بعض الأخوة والأصدقاء من المسؤولين العراقيين أن بضع خطب عاطفية وحماسية و دوائر حكومية تحمل عنوان التربية والتعليم أوعنوان الشباب والرياضة ومؤتمرات رسمية غارقة في الروتين قادرة لوحدها على أعادة بناء الشخصية العراقية وقطاع الشباب بشكل خاص وذلك لطبيعة الدوائر الحكومية البيروقراطية وللفساد الأداري الشائع فيها ولشيوع ظاهرة البطالة والبطالة المقنّعة في المجتمع وأيضا لأن القوى السياسية الحاكمة (وبالأخص المبدئية منها)فشلت في تقديم قدوات بارزة من بين صفوفها ...قدوات تقرن القول بالعمل وتنطبق عليها مقولة (أول من يضحّي وآخر من يستفيد )...

مواضيع ذات أهمية في ملف التنمية الزراعية الشاملة :

  • أهداف مشروع التنمية الزراعية الشاملة
  • أدوات تنفيذ المشروع : الحكومية وغير الحكومية ،مالها وماعليها
  • ملف الأراضي في العراق
  • تقييم المبادرة الزراعية التي أطلقها السيد رئيس الوزراء منذ أكثرمن خمسة سنوات
  • أهم المشكلات والعقبات التي تقف أمام نجاح مشروع التنمية الزراعية المقترح
  • أهم المشكلات المشتركة التي تقف أمام نجاح كل خطط التنمية في العراق (سواءالتنمية السياسية أو الأقتصادية أوالأجتماعية أو الثقافية وغيرها)