banner
هل نحن نعيش المرحلة المتقدمة من عصر الغيبة الكبرى؟

في الذكرى المائة وتسع وسبعون بعد الألف لولادة الأمام المهدي (ع)

هل نحن نعيش المرحلة المتقدّمة من عصرالغيبة الكبرى؟

أولا نهنيء أنفسنا وكل المعتقدين بظهور الأمام المهدي عليه السلام وكل المستضعفين والفقراء والمظلومين والمحرومين في العالم ،مهما أختلفت أديانهم وقومياتهم ومذاهبهم،بمرورألف و مائة وتسع وسبعون عام على ولادة الأمام المهدي ع ،الأمام الذي سيحسم ظهوره المبارك مستقبل البشرية لصالح تحقيق القسط والعدل بعد أن عانت ولقرون طويلة من سيادة الجور والظلم ، و وفق أروع مخطط ألهي بدأ منذ خلق الأنسان المكلّف الأول آدم عليه السلام (بل ومنذ بدء الخليقة ) ولازال ماضيا بدقة ونجاح حتى عصرنا الراهن،مرورا بنمو وتطور المجتمعات البشرية وبعثة الرسل والأنبياءالمجسّدة لحركة الأنبياء التاريخية وأمتدادها الطبيعي المتمثّل بحركة الأمامة المستمرّة حتى يومنا الراهن والمتمثّلة بالأمام المهدي ع .

مع التهنئة، الدعوة الصادقة للنخب السياسية والعلمية والثقافية في عالمنا العربي والأسلامي ، لوضع ظهورالمصلح الأكبرالأمام المهدي الموعود،على رأس أولويات ملفّات البحث والدراسة، لأن التوصّل الى أية نتيجة قد يغيرمسارقيادات وحركات وشعوب وحكومات ، فقضية المهدي هي قضية البشرية وقضية الأنسان وقضية الصراع الأزلي بين جبابرة العالم وبين ’مستضعفيه وبين مسيرة الحق ومسيرة الباطل.. وبين دعاة المباديء والقيم وبين أدعيائها والمتاجرين بالدين .. وبين مُترفي العالم وبين فقرائه.. فضلاعن كونها قضية مسيرة الأديان السماوية والأسلام منها بالذات؟

تكفّلت دراسات علمية كثيرة بأثبات صحة الأعتقاد بظهور المهدي عليه السلام ،وضرورة و حتمية ذلك الظهورفي المرحلة النهائية لتجارب المدارس البشرية القاصرة في أدارة المجتمعات والحكومات،بل والعاجزة حتى عن بناء الفردالمواطن الأنسان الصالح والمجتمع الصالح، ليكون الظهور هو المرحلة الخاتمة مصداقا لحديث أئمة أهل البيت عليهم السلام: {دولتنا آخـر الدول }...

نقول يجب أن لاتتهاون النخب والقيادات في ذلك البحث وتلك الدراسة، لأنهما مرتبطة بسلامة المسيروصحة الهدف ومنع ضياع الجهد والوقت والتضحيات... ولاعجب أن وقعت العديد من القيادات والحركات في العصر الراهن وعلى مدارالتاريخ في هاوية الأنحراف والضياع و الضلال بالرغم من سلامة النوايا،لأن العقيدة المهدوية والأستعداد للظهور المبارك والتشخيص السليم لتكليف الفرد المسلم والجماعة الصالحة في عصر الغيبة الكبرى الذي بدأ قبل ألف ومائة وخمسة سنوات.. كل ذلك يمثّل الحصن الواقي من ألوان الضياع والأنحراف والفشل؟

وبغضالنظرعن التفاصيل، فأن مئات الملايين من المسلمين ينتظرون ذلك الأعلان المدوّي بين الركن والمقام في مكة المكرّمة... ومئات ملايين أخرى تنتظره بالمواصفات وليس بالأسم، ولكن لنفس المسيرة وبأتجاه نفس الأهداف.! يقول سيدنا الفقيه المجدد والمفكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر:{لاشك في أن أمتداد عمر الأنسان آلاف السنين ممكن منطقيا، لأن ذلك ليس مستحيلا من وجهة نظرتجريدية ، ولايوجد في أفتراض من هذا القبيل أي تناقض، لأن الحياة كمفهوم لاتستبطن الموت السريع.. وأما الأمكان العلمي فلا يوجد علميا اليوم مايبرررفض ذلك من الناحية النظرية .. ولكنه لايزال غير ممكن عمليا...

نعم العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريبا في حدود المألوف حتى اليوم في حياة الناس وفيما أنجز فعلا في تجارب العلماء... لاأدري هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط ، بتفريغ الحضارة الأنسانية من محتواها الفاسد وبناءها من جديد ، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الأعتيادية أضعافا مضاعفة؟ أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية وهونوح الذي نص القرآن الكريم على أنه مكث في قومه ألف عام الاّ خمسين سنة، وقدّر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد، والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام وسيقدّرله في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد، فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولانقبل المهدي؟

لقد اُحصي أربعمائة حديث عن النبي (ص) من طرق أخواننا أهل السنّة، أما الدليل الأسلامي فيتمثـّل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله (ص) والأئمة من أهل البيت (ع) والتي تدل على تعيين المهدي وكونه من أهل البيت ومن ولد فاطمة ومن ذرّية الحسين وأنه التاسع من ولد الحسين وأن الخلفاء أثناعشر، فأن هذه الروايات تحدد تلك الفكرة العامة وتشخيصها في الأمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والأنتشار على الرغم من تحفّظ الأئمة (ع) وأحتياطهم في طرح ذلك المستوى العام وقاية للخلف الصالح من الأغتيال أو الأجهاز السريع على حياته..}.

أنتهى النص... للأجماع الشامل لدى المسلمين حول حتمية ظهورالمهدي أصدرأمام الحرم المكي قبل سنوات فتوى بكفرمن لا يعتقد بالمهدي (ع).

أمانحن فنقول (وأنطلاقا من تخصّصنا العلمي / علوم الحياة والزراعة) بعض النباتات تعيش أكثر من تسعة آلاف سنة كما تم أكتشافه مؤخرا في السويد، وقبلها بعقود تم أكتشاف أشجار في الولايات المتحدة عمرها أكثر من أربعة آلاف سنة... وتعيش بعض الحيوانات مثل السلحفاة أكثر من ثلاثمائة وخمسون سنة... وهذا يدل على قدرة الخلايا الحية على تجديد حياتها أذا توفرت لها شروط مناسبة؟ علما بأن جوهر القوانين التي تحكم الخلايا الحية سواء كانت نباتية أو حيوانية أم أنسانية هو واحد!!

أما المؤمنين بالله حقا وبقدرته التي لانهاية لها.. صانع هذه الأكوان وكل هذه المخلوقات.. الأول قبل الأشياء والآخر بعد فناء الأشياء... فليس لديهم أدنى شك في حقيقة أن الله تعالى أذا أراد شيئا يقول (كن فيكون)...بقدرته تحولت النار الى برد وسلام على أبراهيم وبقدرته نام أصحاب الكهف ثلاثمائة وتسعة سنوات ثم أستيقظوا بعدها، وبقدرته خرجت ناقة صالح من جبل صخري وبقدرته ولدت مريم العذراء النبي عيسى ولم يمسّها بشر.. ومن قبل عيسى خلق الله أدم من غير أب وأم ، وبقدرته أنزل القرآن الكريم معجزة الأسلام الخالدة على نبينا محمد (ع)... وجعل عيسى والخضر أحياء لحد الآن...وتحوّلت عصا موسى الى حية تلقف ماصنع السحرة.. وقاتل ملائكـة مسوّمين الى جانب المسلمين في عهد الرسول الأعظم (ص) ...ومئات المعجزات الأخرى.

نعم يجوز لنا أن نبحث في قضية: ماهي ضرورة وفلسفة ولادة قائد قبل أكثر من ألف سنة، لكنهلايمارس دوره المعلن الاّ بعد قرون طويلة من الزمان!؟! والجواب هوالذي سوف يقودنا للتعرف على التخطيط الألهي لمستقبل الأنسان والمجتمعات البشرية، وهو الذي سيعرّفنا بمدى قربنا من نهايات مرحلة الغيبة الكبرى التي أمتدت لأكثر من ألف سنة .ولكن قبل ذلك البحث دعونا نعرّف خلفية عنوان المقالة لبعض قرّاءنا الأعزّاء، فبحسب مدرسة أهل البيت ع ، الأمام المهدي هوآخرالأئمة الأثنا عشر (ع) الذين نصّ رسول الله ص على أسمائهم وكلّهم من ذرية الأمام الحسين ع،وكانت للمهدي غيبتان،الصغرى التي أمتدت حوالي سبعين سنة (260 ـ 329 هـ)، وكان يتصل بأتباعه وعموم الأمة من خلال سفراء أربعة تعاقبوا أبتداءا من عثمان بن سعيد ثم أبنه محمد بن عثمان (الخلاني) ثم الحسين بن روح (يقع مرقده في سوق الشورجة المعروف في بغداد) ثم علي بن محمد السمري وكلّهم من خيرة الرجال الأخياررحمهم الله جميعا وقبورهم الشريفة جميعا في بغداد، وجاء في آخر رسالة للأمام المهدي ع الى السفير الرابع: (بسم الله الرحمن الرحيم :ياعلي بن محمد السمري، أعظم الله أجرأخوانك فيك، فأنك ميت مابينك وبين ستة أيام، فأجمع أمرك ولاتوص لأحد، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور الاّ بأذن الله تعالى ذكره ،وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وأمتلاء الأرض جورا،و سيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة ،ألافمن أدّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ، فهو كذّاب مفتر ،ولاحول ولاقوة الاّ بالله العلي العظيم)..

والغيبة الصغرى هي آخر جزء من التخطيط العام الذي سار عليه الأئمةع وأصحابهم للوصول الى الغيبة الكبرى ،ليكون الأمام المهدي (ع) مذخورا لليوم الموعود، وكان الأتجاه العام لسياسة الأمام المهدي (ع) في أتصاله بقواعده الشعبية وقيادته لهم،على مايدلنا عليه تاريخنا الخاص ،متمثلا بالنقاط التالية :

الأولى :أقامة الحجّة على وجوده بشكل حسي واضح ودحض مايثارمن شبهات حول وجوده.

الثانية : الأختفاء عن السلطات أخفاءا تاما بحيث يتعذر وصولهم اليه مهما كلّفهم الأمر.

الثالثة : قبض المال وتوزيعه بواسطة سفرائه أو غيرهم.

الرابعة : أجابته ع على الأسئلة التي كان أيصالها الى الأمام من أهم مهام السفراء.

الخامسة : قضاؤه لحوائج الناس من قواعده الشعبية من الناحية الشخصية.

السادسة : عدم التعرّض في كلام المهدي ع الى شيء من الحوادث العامة في المجتمع أو في الدولة أو في الخارج،ومايقوم به الخلفاء أو الوزراء أو الأمراء أوالقواد أو القضاة وغيرهم.

أذا يمكن القول بأن الغرض الأساسي من (الغيبة الصغرى) هوتهيئة الذهنية العامة لغيبة الأمام الطويلة (لقرون من الزمان) والتعامل الواقعي من قبل قواعده الشعبية مع هذه الحقيقة الصعبة بعد أن تم أثبات وجوده للأمة، ومن هنا نحاول تشخيص موقعنا في مراحل مسيرة الغيبة الكبرى، سوف نسعى ومن خلال نقاط متدرّجة (لخّصناها بتصرف من كتاب الغيبةالكبرى) بناء المقدمات الضرورية والتعرّف على الصورة الشاملة لمسيرة المخطط الألهي للوصول الى تشخيص مرحلتنا التي نعيشها :

أولا: أن الله تبارك وتعالى خلق الخلق متفضّلا ولم يخلقهم عبثا ولم يتركهم هملا، بل خلقهم وهوغني عنهم،لأجل حصولهم على مصالحهم الكبرى ووصولهم الى كمالهم المنشود المتمثـّل بأخلاص العبادة لله تعالـى.

ثانيا:الهدف الألهي المقصود :

  • أيجاد الفرد الكامل، الذي يعيش محض الحرية عن أنحرافات العاطفة والمصالح الضيّقة، والمساوق في أنطلاقه مع أنطلاقة الكون الكبرى الى الله عز وجلّ .
  • أيجاد المجتمع الكامل والبشرية الكاملة المتمثـّلة من مجموعة الأفراد الذين يعيشون على مستوى العدل والأخلاص والتجرّد من كل شيء سوى عبادة الله تعالى،تلك العبادة التي تتضمّن تربية الفرد والمجتمع، والأرتباط بكل شيء على مستوى العدل الألهي .
  • أيجاد الدولة العادلة التي تحكم المجتمع بالحق والعدل، بشريعة الله الذي لاتخفى عليه خافية في الأرض ولافي السماء، وتكون هي المسؤولة الأساسية عن السير قدما بالمجتمع والبشرية نحو زيادة في التكامل في الطريق الطويل غير المتناهي الخطوات.

ثالثا:مادام الغرض الألهي من خلق البشرية هوذلك ،فلابد أن يشاء الله تعالى أيجاد كل مايحققه والحيلولة دون كل مايحول عنه ، شأن كل غرض ألهي مهم.

رابعا:المفهوم الأسلامي للمعجزة ، أن الغرض الألهي المهم أذا تعلّق بهدف من الأهداف، فأنه لابد من وجود ذلك الهدف ، ولو أستلزم بوجوده أو ببعض مقدماته خرق قوانين الطبيعة وأيجاد المعجــزات.

خامسا:أن تكامل الفرد وبالتالي تكامل المجتمع البشري يتوقف على عاملين : خارجي وداخلي أوعامل موضوعي وعامل ذاتي . أما العامل الخارجي الموضوعي فهوأفهام الفرد/ وبالتالي المجتمع / معنى العدل والكمال الذي ينبغي أن يستهدفه والمنهج الذي يجب عليه أن يتـّبعه في حياته ويقصر عليه سلوكه، فلابد أن يُفهم الله تعالى البشرية معنى العدل والكمال وتفاصيل السلوك الصالح الذي يجب أتّخاذه، ولذا أحتاجت البشرية الى أن يرسل الله تعالى اليها أنبياء مبشّــرين ومنذرين . ونستطيع أن نلاحظ كيف أن خط الأنبياء الطويل والأعـداد الكبيرة منهم أنما كان بأعتبار التقديم والتمهيد للغرض الكبير،بأعتبار أن البشرية حين أول وجودها كانت قاصرة عن فهم تفاصيل العدل الكامل،فلم يكن بالأمكان أيجاد المجتمع العادل الكامل الموعود في ربوعها لأول وهلة، بل كان لابد أن تتربى البشرية تدريجيا الى أن تصل الى المستوى اللائق.

سادسا:أما العامل الداخلي الذاتي، فهو الشعور بالمسؤولية تجاه الأطروحة العادلة الكاملة ، بأعتبار أنها تضمن العدل فيما أذا أطاعها الأفراد وطـُبقت في حياتهم، وهي أنما تضمن الطاعة التامة، مع وجود الشعور بالمسؤولية، أذن فلابد من أجل وجود العدل أن يوجد هذا العامل الداخلي الذاتي في الأنسان. ويوجد الشعور بالمسؤولية وينمو نتيجة لأسباب ثلاثة مقترنة هي:

السبب الأول :أدراك العقل لأهمية طاعة الله والأنصياع لأوامره ونواهيه ،بأعتباره مستحقا للعبادة مع غض النظر عن أي أعتبار آخــر.

السبب الثاني :الشعور بأهمية طاعة الله ،بأعتبارها الضامن الحقيقي للعدل المطلق ،على المستويين الفردي والجماعي أوبتعبير آخر: تربية الأخلاص الذاتي لطاعة الله بأعتبار المعرفة الواضحة بضمانها للعدل المطلق.

السبب الثالث :العامل الأخروي المتمثل بالطمع بالثواب الذي رصده الله تعالى للمطيعين، والخوف من العقاب الذي توعّد به العاصين والمذنبين.

سابعا:هناك فرق أساسي في طرق أيجاد هذه الأسباب،فالسببين الأول والثالث يوجدان بالتربية النظرية فقط، ويتحقّقان بمجرد ألفات الفرد أليهما وتصديقه بصحّتهما، وأما السبب الثاني، فالبرهنة النظرية عليه غير كافية بطبيعة الحال، بشكل ينتج الأخلاص والوعي الحقيقيين والأستعداد للتفاني في سبيل العدل المطلق...في سبيل الله ،بل يحتاج ذلك الى تمرين طويل الأمد وتجربة وممارسة.

ثامنا:أن التجربة والممارسة التي عرفنا أهميتها في تربية الأخلاص والأندفاع الى الطاعة،أذا لاحظناها على أساس فردي لم تكتسب أهمية أكثرمن أنتاج الأخلاص والتكامل للفرد الواحد، أما أذا لاحظناها على أساس عام، وقلنا أن المجتمع بصفته مكونا من أفراد، والأمة بصفتها مكونة من مجتمعات ،يجب أن تمر بدور التربية والتجربة التي تنمّي فيها روح الأخلاص والطاعة تجاه تعاليم الله عز وجل.

تاسعا: تتوقف التجربة والممارسة التي يجب أن تمر بها الأمة في تربيتها الطويلة على أحد عاملين: الأول،التطبيق الفعلي الحي للمجتمع العادل المطلق حتى يراه الناس ويحبّوه ويقدّموا مصالحه العامة على مصالحهم الخاصة، والثاني،مرورالأمة خلال تربيتها بعوامل صعبة وظروف ظالمة عسرة، تجعلها تتوفّر شيئا فشيئا على التعمّق الفكري والعاطفي وتصوغ منها في نهاية المطاف أمة شاعرة بالمسؤولية قوية الأرادة والعزم على تطبيق الأطروحة العادلة الكاملة، بعد أن تعيش (الأمة) الشعور بأمرين مقترنين هما: الأمر الأول،الشعور بأفضلية الأطروحة العادلة بشكل نظري وبشكل حسّي معاش ،بعد أن ثبت فشل سائر النظم والنظريات، والثاني،الشعور بأهمية التضحية الحقيقية على مختلف المستويات في سبيل الأطروحة الكاملة التي يؤمنون بها والأحساس المباشربلزوم الصبر والمثابرة والصمودأمام القوى الظالمة تمسّكا بالحق... والعامل الثاني أهم من الأول لأن محبّة الأطروحة العادلة في ظروف الظلم والتضحية، هي محبّة واعية عميقة تدفع الأنسان الة الكفاح والجهاد في سبيل أيجاد الواقع الأجتماعي العادل ،أذن يتوقف الغرض الألهي في هداية البشر وأيجاد مجتمع العبادة الكاملة على مرور البشرية في ظروف صعبة ظالمة ليكونوا عند أبتداء التطبيق على مستوى المسؤولية المطلوبة للعدل.

عاشراً: ومن هنا تكون هذه الظروف ومحاولة هذا التطبيق، محكّا أساسيا لمدى الأخلاص وقوة الأرادة لدى الأفراد، فينهار العدد الأغلب من البشر في أحضان الظلم والأغراء،تبعا لضعف أرادتهم وتقديم مصالحهم الشخصية وراحتهم القريبة على الأهداف الكبرى والغايات القصوى، و يبقى العدد الأقل صامدين مكافحين، تشتد أرادتهم وتقوى عزيمتهم ويشعرون باللذة والفخرفي مكافحة تيارات الأنحراف والفساد ولايزالون في تكامل وصمود حتى يبلغوا مستوى المسؤولية الكبرى في مواجهة العالم بالعدل المطلق في اليوم الموعود.

الحادي عشر:التخطيط الألهي قبل الأسلام، وتكفّل الأنبياء بهذه المهمة:أي تربية البشرية لتكون جاهزة لأستقبال(أوصالحة لفهم) العدل الكامل، وكان كل نبي يشارك مشاركة جزئية قليلة أوكثيرة في ذلك سواء علم الناس أوجهلوه، وهذه التربية أنتهت وأستطاعت البشرية في نهاية المطاف أن توفرالشرط الأول، أي أصبحت قابلة لفهم الأطروحة العادلة الكاملة، فأرسل الله تعالى اليها تلك الأطروحة المتمثّلة بالأسلام... كما كان المقدار المشترك بين الأديان أضافة لما سبق هوالأعتراف باليوم الموعود مع أختلاف في التفاصيل...الأنبياء السابقين على موسى (ع) كان هدفهم ترسيخ العقيدة الألهية وتوضيحها بالتدريج، دون أن يكون لهم تعاليم تشريعية كثيرة حتى تكلّلت تلك الجهود بجهود أبراهيم الخليل (ع) الذي أوضح عقيدة التوحيد بشكل مبرهن وصحيح . وأما الفترة التي تبدأ بموسى (ع) وتنتهي ببعثة الرسول الأعظم (ص) ،فلاشك أنها كانت فترة شرائع تفصيليــة.

الثاني عشر: التخطيط الألهي بعد الأسلام: وتضمّن أثبات أن الأسلام هوآخر الشرائع السماوية، وأنه لانبي بعد نبي الأسلام وأن حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة ،وعالمية الأسلام وأستيعابه لكل المشكلات والأحكام، كما أن مستوى العقيدة الألهية التي جاء بها الأسلام من التجريد والتوحيد الخالصين، لم يكن موجودا بوضوح في الشرائع السابقة وفكرة الدولة النظامية التي جاء بها الأسلام ومارسها الرسول الأعظم وحاول تطبيقها من جاء بعده الى الحكم من الخلفاء، لم يكن ليفهمها الناس قبل الأسلام... اننا نجد في الأسلام دقة في فهم الأحكام وفي تنظيمها، في العبادات والمعاملات والعقوبات والأخلاق، مالايكاد يفقهها الناس السابقون.

الثالث عشر:بُعث نبي الأسلام ص بالأطروحة التشريعية العادلة الكاملة، بعد أن أصبحت البشرية في مستواها العقلي والثقافي العام قابلة لفهمها وأستيعاب أحكامها، لتكون هي الأطروحة المأمولة في اليوم الموعود، ولكن ولشديد الأسف، لم يكن في الأمكان أن يتكفّل التطبيق العالمي الموعود، لعدم توفّر الشرط الثاني من الشرطين الأساسيين لوجود هذا التطبيق ... ولازال هذا الشرط غير متوفر الى حد الآن.

وكما قلنا كان لابد لأجل ضمان نجاح التطبيق في اليوم الموعود ،أن تمرالبشرية بظروف معينة ،تكفل لها التربية على الأخلاص على الشكل الدقيق للأطروحة الكاملة المتمثّلة بالأسلام ...وبدأت الظروف الطارئة بالحدوث والتواترمتمثّلة :ـ بأنقطاع الوحي بموت رسول الأسلام ص ،وأنقطاع التطبيق الناجح للشريعة الكاملة، بموت النبي (ص) أو بأنتهاء الخلافة الأولى ..،وأبتناء الحكم في البلاد الأسلامية على أساس من المصالح السياسية الظالمة المنحرفة....وضعف المستوى الأخلاقي لدى الناس بشكل عام،وتقديمهم مصالحهم الشخصية على أتباع تعاليم دينهم سواء على الصعيد الفردي أو الأجتماعي ...ولازالت البلايا والمحن تتضاعف،وظروف التمحيص والأختبار الألهي تتعقد وتزداد...حتى أصبح الفرد يُقهرعلى ترك دينه والتمرد على تعاليم ربه بمختلف أساليب الخوف والترغيب.

الرابع عشر: كما شارك الأنبياءالسابقون (ع) في التبشير باليوم الموعود،أستمر نبي الأسلام (ص) و خلفاؤه المعصومون (ع) وكثير من صحابته في هذا التبشير، وكان تبشيرهم أهم وأوسع، والأخبار بما سيقع في هذا العالم من ظلم وفساد، وكان مشفوعا بذكر التكليف الأسلامي وأسلوب العمل الواعي في تلك الظروف... وشارك الأمام المهدي (ع) بنفسه في تهيئة الذهنية العامة للأمة لليوم الموعود، من خلال أقامة الحجّة على وجوده وأعطاء الأطروحة التامة لفكرة غيبته وظهوره...والعمل على أزالة الظلم والطغيان.

الخامس عشر:ولأهمية القيادة في التخطيط الألهي، خاصة أذا كان الهدف أصلاح العالم برمّته وضمان تطبيق العدل الكامل على البشرية جمعاء،ومباشرة التطبيق من حكم مركزي واحـــد و دولة عالميــة واحـدة،فلابد من أيجاد شخص مؤهّل من جميع الوجوه،لأجل الأخذ بزمام القيادة العالمية في اليوم الموعود ، ولأجل هذا ’وجد المهدي عليه السلام.

السادس عشر:أذن فالحفاظ على القائد العظيم، هو المطلوب الأساسي من الغيبة، الذي تشارك فيه الغيبة في التخطيط الألهي، ويمكن أضافة أمور أخرى يشارك فيها عصر الغيبة في هذا التخطيط:

  • مثل،تكامل القائد (تكامل مابعد العصمة)،ذلك الكمال الذي يؤهّله الى مرتبة أعلى وأعمق وأسهل في نفس الوقت من أساليب القيادة العالمية العادلة.
  • ومثل،العمل الأسلامي المنقذ للأمة من الهلكات والفاتح أمامه سبل الخيرو الموفّر أكبر مقدار من المخلصين الممحّصين المشاركين في بناء الغد الموعود.
  • ومثل،مساهمة الحوادث التي تمر خلال عصرالغيبة الطويل، بأيجاد شرط الظهور،وهوكون الأمة على مستوى المسؤولية
  • ومثل،شعور الأمة على طول الخط ، بوجود القائد الفعلي لها الماسك بزمام أمرها والمطّلع على خصائص أعمالها، ذلك الشعورالذي يرفع من معنويات الأفراد ويقوّي فيهم روح العزيمة والأخلاص، ممّا يساعد على زيادة أعداد المخلصين الممحّصين
  • ومثل، تعمّق الفكر الأسلامي من حيث الفهم من الكتاب والسنّة، سواء في العقائد، أوالأحكام وهي التي تشارك في تعميق المستوى الثقافي اللازم تحقّقه في اليوم الموعود... بل و تشارك في ذلك سائر القطاعات والشعوب في العالم، بما تبذل من دقة وعمق في سائرالعلوم... خاصة وأن البشرية على العموم وليس المجتمع المسلم وحده، هوالذي يجب أن يتقبّل الأحكام المهدوية.. مضافا الى أن التقدّم العلمي في سائر حقول المعرفة البشرية، سوف يشارك مشاركة فعّالة في بناء الغد المنشود.

السابع عشر:التكليف الأسلامي خلال عصرالغيبة الكبرى :وأهم مفرداته : # الأعتراف بالمهدي ع كأمام مفترض الطاعة وقائد فعلي للأمة، وأن لم يكن عمله ظاهرا للعيان ،ولاشخصه معروفا.

  • الأنتظار،بمفهومه الأسلامي الواعي الصحيح :أي التوقّع الدائم لتنفيذ الغرض الألهي الكبير، وحصول اليوم الموعود،مايجعل المسؤولية في عهدة كل مؤمن،في أن يهذّب نفسه ويكملها ويصعّد درجة أخلاصه وقوة أرادته، ولايكون الفرد على مستوى الأنتظار المطلوب،الاّ بتوفّر عناصرثلاثة مقترنة،عقائدية ونفسية وسلوكية..وبضمن الجانب السلوكي للأنتظار : الألتزام الكامل بتطبيق الأحكام الألهية السارية في كل عصر،على سائر علاقات الفرد وأفعاله وأقواله ، حتى يكون متّبعا للحق الكامل والهدى الصحيح، فيكتسب الأرادة القوية والأخلاص الحقيقي الذي يؤهّله للتشرّف بتحمّل بعض مسؤوليات اليوم الموعود.....كما لابد أن لاننسى أن مايرفع درجة الأخلاص في الأمة ويوجد شرط الظهور ،هوالعمل ضد الظلم فعلا .
  • الألتزام بالتعاليم الأسلامية الحقـّة النافذة المفعول فيما قبل الظهور،وهومن واضحات الشريعة ،فأن مقتضى شمول تعاليمها وعمومها لكل الأجيال، وجوب أطاعتها وتطبيقها على واقع الحياة في كل الأجيال.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،أذا توفّرت شروطه الشرعية المعروفة.... أما الجهاد فمنوط على طول الخط بوجود القائد الكبير، الاّ فيما يكون من جهاد الدفاع لأجل الحفاظ على بيضة الأسلام وأصل وجوده (ولهذه النقطة أحكام فقهية مفصّلة يجب الرجوع اليها).

الثامن عشر: شـــرائط الظهور،وهي دخيلة في التخطيط الألهي ومأخوذة بنظر الأعتبار فيه ، بأعتبار توقّف اليوم الموعود عليــه، وهي:

  1. وجود الأطروحة العادلة الكاملة التي تمثّل العدل المحض الواقعي ،والقابلة التطبيق في كل الأمكنة والأزمنة، أي تكون الأطروحة ناجزة عند الظهور ومعروفة ولو بمعالمها الرئيسية.
  2. القائد المحنّك الكبير الذي له القابلية الكاملة لقيادة العالم كله.
  3. وجود الناصرين المؤازرين المنفذين بين يدي ذلك القائد الواحد، وأهم مايشترك فيه هؤلاء شرطان متعاضدان ،يكمل أحدهما الآخر،أولهما،الوعي والشعور الحقيقي بأهمية وعدالة الهدف الذي يسعى اليه والأطروحة التي يسعى الى تطبيقها، وثانيهما،الأستعداد للتضحية في سبيل هدفه على أي مستوى أقتضته مصلحة ذلك الهدف.

قد يقال بلزوم شرط رابع لتطبيق الأطروحة العادلة الكاملة في اليوم الموعود،وهو وجود قواعد شعبية كافية ذات مستوى في الوعي والتضحية كاف من أجل هذا التطبيق، لتكون هي رائده الأول في اليوم الموعود ، وهو أمر لايخلو من الصحة... وقد وفّر الله تعالى له في تخطيطه، نتيجة التمحيص مستويين من الشعور: المستوى الأول: الأخلاص الأقتضائي الذي عرفنا أنه أستعداد جماعة للتجاوب مع تجربة يوم الظهور وتطبيقاته، وهوشعوريوجد عند كثير من البشر،وأن كانوا يمارسون قبل الظهور شيئا من العصيان والأنحراف، والمستوى الثاني: الشعور باليأس من كل التجارب السابقة التي أدّعت لنفسها حلّ مشاكل العالم، ثم أفتضح أمرها وأنكشف زيفها، نتيجة للتمحيص والتجربــةوسيكون كلا المستويين من أفضل الأرضيات الممكنة لتلقّي يوم الظهور.

التاسع عشر:كان للشرط الثاني للظهورحصّته من التخطيط الألهي لليوم الموعود، وهو وجود القائد العظيم الذي يتكفّل بعلمه وتعاليمه تطبيق العدل المحض الكامل على العالم كله، ويكون ذلك على مستويين، الأول،بلحاظ أيجاد قابلية هذه القيادة في شخص القائد، والثاني،بأعتبار تكامل هذه القابلية لديه... فالقيادة القائمة على الأساس الألهي، تنطلق من عدة زوايا كل واحدة منها تحتاج الى تعليم أولا والى مران وتمحيص ثانيا والى تكامل وتعميق ثالثا . الزاوية الأولى،أستيعاب الهدف الذي من أجله وُجدت البشرية وأستهدفت هدايتهم . الزاوية الثانية،أستيعاب دقائق القانون الذييُطبّق في المجتمع البشري، سواء على مستوى الدولة أو قبلها. الزاوية الثالثة،طرق الأرتباط بالناس وممارسة هدايتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والقواعد العامة التي تمت الى ذلك بصلـة. الزاوية الرابعة،الغيرية المطلقة ورفض الأنانية، بحيث يمكن الفرد في أية لحظة أن يضحّي بكامل كيانه في سبيل الهدف الذي عمل من أجلــه.

في النقاط التسعة عشرالسابقة {التي أقتبسناها ولخّصناها بتصرّف من موسوعة الأمام المهدي (ع) للشهيد السيد محمد الصدر (الموسوعة التي لم يسبق لها نظير في تأريخ التصنيف الشيعي حول المهدي (ع)، كما وصفها السيد الشهيد محمد باقر الصدر في مقدمته المعنونة ببحث حول المهدي)}، حاولنا بناء الأرضية التي ربما تساعدنا كثيرا في الأجابة على السؤال الذي طرحه عنوان هذه المقالة ، وهو: هل نحن نعيش مرحلة متقدّمة من مراحل عصر الغيبة الكبرى؟ تلك الغيبة التي بدأت في يوم وفاة السفيرالرابع الشيخ السمري رضوان الله عليه، أي قبل حوالي ألف ومائة وخمس سنوات،وماذا بقي من أهداف تلك الغيبة؟

وكيف نصحّح بوصلة حركتنا السياسية والفكرية و الأجتماعية والتنظيمية وغيرها، لتنسجم والأتّجاهات الأساسية لعصر الغيبة، وبالتالي لنضمن أن تصب طاقاتنا وجهودنا الفردية والجماعية في روافد المسيرة التاريخية بأتّجاه أستكمال شرائط الظهورالمبارك؟ وتجنّب ضياعها في مسارات غير مجدية ،فضلا عن أن تكون مضادّة أو معرقلة لتقدّم تلك المسيرة الألهية!

مالذي حصل خلال تلك السنوات المائة وخمس بعد الألف، التي هي مدة ماأنقضى من عصر الغيبة الكبرى؟ خاصة ماحصل ضمن (شرائط الظهور) التي أشرنا الى عناوينها العامة، أي الأطروحة العادلة الكاملة (الأســـلام) ـ والقائد الكبير المحنّك والمؤهّل لقيادة العالم ـ والناصرين المؤازرين المنفّذين بين يدي ذلك القائد والمؤهّلين في وعيهم وشعورهم بالمسؤولية وأستعدادهم للتضحية ،فمرور الوقت الطويل لوحده لايعني شيئا أن لم تتحقّق نتائج هامة في الواقع، فلنراجع ونرى ماتحقّق ضمن الشرط الأول (الأطروحة العادلة الكاملة أي الأسلام) :

# بعد أن قام العدد الكبير من الرسل والأنبياء السابقين للأسلام، بتهيأة البشرية لتلقّي وفهم الأطروحة (الأسلامية) الكاملة (أضافة الى التبشير بظهور المنجي الموعود)، قام نبي الأسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلّم بأبلاغ الرسالة الأسلامية كاملة بعد أن تلقّاها من الله تعالى بواسطة الوحي، وقبل رحيله أبلغ الرسول الأعظم ص المسلمين أجمع، وبعدة مناسبات وجملة نصوص نقلتها أمّهات مصادر المسلمين (مع أختلاف مذاهبهم فيما بعد) ، أبلغهم بأن مصادر الأسلام تنحصر بالقرآن الكريم (كتاب الله الخالد) وبالسنّة النبوية (ماصحّ نقله من حديث رسول الله وسيرته الشريفة)، وأبلغهم أسماء أئمة أهل البيت ع الذين سيشكّلون خط الأمامة التي ستكون الأمتداد الطبيعي لحركة الأنبياء (ع)(التي توقّفت بوفاة النبي محمد (ص)).

# وبالرغم من المساعي الهائلة التي بذلها الخط الأموي في فجر الأسلام ومن سارعلى ذلك الخط لمنع أنتشارالأحاديث الصحيحة لرسول الأسلام (ص)، ونشر الأحاديث المختلقة المنسوبة للرسول، وبالرغم من المطاردة والتصفية لخيرة صحابة رسول الله (ص) وخيرة أنصار أهل بيته، الاّ أن أئمة أهل البيت (ع) تمكنوا من بناء منظومة الرواة والأحاديث الصحيحة الميسّرة لكل من ينشد الحقيقة ويريد الوصول الى مصادرالأسلام النقية السالمة من التحريف والدس، وبذلك تمكّن الأسلام من تجنّب المصيرالذي حصل للديانتين اليهودية والنصرانية (بقيت طقوسهما وحصل تحريف في الكثير من نصوصهما السماوية، بسبب علماء السوء وأستغلال الحكام للدين)، وبالطبع تكفّل الله تعالى بحفظ كتابه(القرآن الكريم)، وقام أول أئمة أهل البيت (ع)(علي بن أبي طالب (ع))، بسدّ باب مهم من أبواب التحريف والتلاعب بالدين عندما أبطل المنهج الذي حاول البعض الترويج له بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) ،وهو منهج أعطاء حق التشريع لخلفاء وملوك الدولة الأسلامية (والكل يعترف بتحوّل الخلافة فيما بعد الى مُلك عضوض)، أبطله عندما رفض تولّي الخلافة بعد مقتل الخليفة الثاني، رفض تولّيها لطلب البعض منه أضافة (سيرة الخليفتين) الى مصادر التشريع أضافة الى كتاب الله وسنّة رسوله، ومع الأسف قبل الخليفة الثالث ذلك الشرط الخطير!!ثم كان صلح الأمام الحسن (ع) الخطوة الهامة،في كشف زيف الخط الأموي (وهو أخطر ما واجهته المسيرة الأسلامية بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) وبعد أنتهاء الخلافة الراشدة بشها دة أول أئمة أهل البيت (ع))الخط الذي سنّ أسس التحريف والكذب على رسول الأسلام ونصب العداوة لأئمة أهل البيت (ع)، وقتل أتباعهم (وهو الدورالذي يقوم به البعض لدفع وتوظيف الحركة الوهابية ،لأن تلعبه في هذا العصر)، وكان لقيام الأمام الحسين (ع) وثورته الدور الحاسم في الأجهاز على الخط الأموي وخلع الشرعية الدينية عن خط الخلافة التي تحولت الى ملك عضوض يتوارثه الأبناء والأحفاد الفسقة غير المؤهّلين علميا وأخلاقيا عن آبائهم (مثل يزيد بن معاوية قاتل الحسين ابن بنت رسول الله)، وبذلك تم تحصين الأطروحة العادلة الكاملة من تلاعب وتدخّلات السلاطين وقواهم الغاشمة وحواشيهم من علماء البلاط و علماءالسوء الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وتم الفرز الكامل بين أدعياء الدين الحاكمين بأسم الدين وخلافة رسول الله والفتح وجهاد الكفرة أوأتباع الأديان الأخرى، وبين خط الأمامة الأمتداد الطبيعي لحركة الأنبياء (ع)، وتم التصدّي لكل التيارات الفكرية المنحرفة (الداخلية أو الوافدة) وأثبات عدم أهلية بعض المدارس الفقهية البعيدة عن مصادر أئمة أهل البيت (ع)(والتي روّجت لبعضها السلطات الحاكمة في ذلك الزمن)، عدم أهليتها لأعطاءالحكم والموقف الأسلامي الصحيح.

# تكفّل أئمة آخرين (السجاد والباقر والكاظم والصادق عليهم السلام) بحفظ وتعليم ونشر نصوص الأسلام السالم من التحريف، أضافة الى التجسيد العملي للأخلاق الأسلامية ولشخصية ولي أمر المسلمين، وكان من ضمن الأدوار التي قام بها الأئمة اللاحقين (الرضا و الجواد والهادي والحسن العسكري والمهدي/ في غيبته الصغرى/ عليهم السلام) مواصلة مهمة تربية (الجماعة الصالحة) على أسس الأسلام السالم من التحريف وبناء أسس المنظومة العلمية والقيادية لتلك الجماعة (وأن كان حقيقة دورها يشمل كل المسلمين)، وهما المرجعية الدينية والحوزة العلمية (يمتد عمر الحوزة العلمية في النجف الأشرف الى أكثر من ألف عام ).

# وبرعاية الأمام المهدي (ع) (المباشرة أومن خلالثقاته) في غيبته الكبرى، تبلورت وتطورت حركة الأجتهاد في الحوزات العلمية، وتم توفير الضمانات الذاتية التي تصونها وتحفظ أستقامتها في مجال أعطاء الأحكام الشرعية، على مدى القرون المتتالية والتهديدات الخارجية المتنوّعة،حتى صار المسلمين اليوم يمتلكون واحدة من أفضل المنظومات العلمية القادرة على بيان رأي وموقف الأسلام تجاه كل واقعة، وأصبح الأسلام (وفق منهج أهل البيت) قادرا على وضع الحلول لمشكلات الفرد والمجتمع والدولة في عصرنا الراهن وفي كل العصور! وهومالا يتوفّر لدى القيّمين على الديانات الأخرى ، ولا لدى القيّمين على (أو منظـّري ) التيارات الفكرية المعاصرة .

# وبالرغم من الحقيقة السابقة، أستمرت الحرب الشعواء على الأطروحة الأسلامية، سواء بشكل التصفيات الجسدية وأستئصال علماء الدين والفقهاء والخطباء والدعاة ومنع نشر الكتب الأسلامية ومحاربة وغلق وتدمير الحوزات العلمية والمعاهد والمراكز والمؤسّسات التعليمية الدينية... (وأوضح صورة لذلك ماقام به النظام البعثي البائد في العراق)، أو بشكل الحرب الفكرية والثقافية مثل السعي لأشاعة مفهوم عدم قدسية النص القرآني أوأرتباط النص بالظرف الزماني والمكاني الذي نزل فيه، أو الترويج لمدرسة الأجتهاد مقابل النص ومدرسة (أنتم أعلم بدنياكم)، أوالدعوة لألغاء السنّة النبوية أو الترويج لعدم الحاجة الى الفقهاء والمجتهدين وأنكار وجود نظام سياسي وأقتصادي في الأسلام، وأشاعة مفهوم عدم قدرة الأطروحة الأسلامية على مواكبة التطورات العلمية المتلاحقة ومواكبة أزدياد تعقيد المجتمعات البشرية المعاصرة... الخ، وبالرغم من كل تلك الحملات ،تعتبر الأطروحة الأسلامية (وبالأخص وفق منهج أهل البيت (ع) )، وحسب الدراسات العلمية المقارنة، الأكثر واقعية وسلامة لأدارة شؤون المجتمعات البشرية، والأكثر قدرة على حل الأزمات الروحية والمادية التي يعيشها الأنسان المعاصر... فضلا عن عدم تعارضها لحد الآن مع كل ما أكتشفته العلوم التجريبية الحديثة، بل وأصبحت العديد من المكتشفات العلمية الحديثة ،أدلة وبراهين على أعجاز نصوص ذكرها القرآن الكريم (وهو المصدر الأساس للأطروحة الأسلامية) قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة. كل ماذكرناه، لايمنع من القول أن ثمة مهام وأهداف كبيرة لازال مطلوب تحقيقها ضمن عنوان الشرط الأول من شرائط الظهور (أي عنوان: الأطروحة العادلة الكاملة أي الأسلام) وأهمها:أولا تعريف مئات الملايين من المسلمين من غير أتباع أهل البيت (ع)، ومئات ملايين أخرى من غير المسلمين من أتباع الديانات السماوية الأخرى، بل والآخرين من غيرأتباع الديانات، بالقدرات العلمية التي تتمتّع بها الحوزات العلمية ،وأمكانية توظيفها في خدمة البشرية، وثانياضرورة أنفتاح حوزاتنا الدينية ومعاهدنا الأسلامية على مشكلات الأنسان المعاصروالمجتمعات البشرية المعاصرة وتقديم الدراسات المناسبة (وليس فقط أعادة طباعة الكتب السابقة) التي تكشف عن كنوز الأطروحة الأسلامية وكنوز مدرسة أهل البيت ع ،خاصة في مجال العقائد التي تفسّر فلسفة الحياة والهدف من المسيرة البشرية والأجابة على الشكوك والأسئلة التي تنتاب الأنسان المعاصر في هذا المجال،وفي مجال التشريعات التي تنظم مجالات الحياة المختلفة(الأقتصاد والسياسة والأدارةوالقانون والأجتماع والأمن والتربية والتعليم والبيئة وحقوق الأنسان وحقوق المرأة و الطفولة والأبحاث العلمية الحسّاسة / التلاعب بالجينات والخلايا الجذعية وتأجير الأرحام..الخ/)

أن تقريب يوم الظهور والتعجيل بظهورالمهدي الموعود ،تقتضي تعريف الأنسان المعاصروالمجتمعات المعاصرة بالحلول الواقعية السليمة التي تقدمها الأطروحة الأسلامية لأهم المشكلات التي تعاني منها تلك المجتمعات،من قبيل غياب العدالة الأجتماعية وأنتشار الفقروالجوع والظلم والجريمة والطغيان والتطرّف (بأسم الدين) والأنتهاكات الفظيعة لكرامة وحقوق الأنسان وتسلّط الشركات الكبرى المتعدّدة الجنسيات وشركات السلاح والنفط وتفاقم الصراعات الدينية والمذهبية والعنصرية و شيوع ظواهر التحلل الأخلاقي والمتاجرة بالبشرو تحلل الروابط الأسرية وتدهور البيئة...! تحتاج حوزاتنا العلمية ومراكزنا العلمية الأسلامية لتجميع طاقاتها وتنظيم مؤسّساتها ، وتجنّب تكرار المشاريع والخروج من الطابع الفردي للعمل المرجعي والعمل الحوزوي بأتجاه الطابع المؤسّساتي ، كما دعا اليه قبل أكثرمن أربعين سنة الفقيه المجدد والمفكر الكبير المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه، وكماهوالحال في الكثير من المؤسّسات والمراكز العلمية والأعلامية والتعليمية في العالم ، والتفكير جديا في بناء مؤسّسات الأفتاء بدلا من تصدّي مكتب كل فقيه منفردا بذلك ،خاصة وأن أكثرمن 90 % من المسائل الفقهية لغالبية الفقهاء والمراجع هي مشتركة، أن تحديات العصر ومتطلباته تدفع بقوة الى ما ذهبنا اليه، أي الى تجميع الطاقات ورص البنيان وتطوير التنظيم والهيكليات الأدارية والخروج من الهموم الجزئية الصغيرة الى هموم البشرية الكبرى...

فما أحوج العالم المعاصر الى ما عند الحوزات العلمية لمدرسة أهل البيت (ع) من كنوز علمية ،والتي هي واحدة من أهم شرائط الظهور . ما يزيد أقناع المجتمعات البشرية غير المسلمة (فضلا عن المسلمة) ، بقدرة الأطروحة الأسلامية على تقديم الحلول الصالحة والواقعية لمشكلاتها، كلما تمكّنت القيادات والقوى الأسلامية المتصدّية من تقديم المزيد من النماذج العملية التي تكشف عمليا قدرة الأطروحة الأسلامية على بناء مجتمع أونظام حكم مثالي فاضل ولوضمن حدود صغيرة مكانيا؟ بالطبع الكثيرمن التغييرات الأيجابية الكثيرة حصلت في بلدان أسلامية مجاورة، بعد وصول قيادات أسلامية مستقلة الى الحكم ،كماهوالحال في الجمهورية الأسلامية الأيرانية ،كما ننتظرحصول متغيرات أيجابية أخرى على المدى المتوسط في دول عربية مثل مصر وتونس والعراق،لوصول قوى أسلامية وطنية مستقلة الى مواقع هامة في أنظمة الحكم في تلك الدول .

وأما في مجال الشرط الثالث من شرائط الظهور(أي وجود الناصرين المؤازرين المنفذين بين يدي القائد الكبير،والمؤهلين في وعيهم وأستعدادهم للتضحية) :ـ فلاشك في وجودالملايين ممّن يتوجّهون مخلصين بالدعاء يوميا الى الله تعالى للتعجيل بظهورالأمام المهدي (ع)، لأيمانهم فعلا بوجوده وعدالة قضيته وحتمية ظهوره، ولمعاناتهم الكبيرة من أمتلاء الأرض بالظلم والجور، ولأنهم شاهدوا، خاصة في العقود الأخيرة من الزمن ظهور وصعود أمبراطوريات وأنظمة حكم وتيارات سياسية وفكرية قوية وعالمية.. مثل النظام الشيوعي والنظام الرأسمالي (الغربيين)، و قبلهما الأمبراطورية البريطانية العظمى (التي صنعت أمريكا وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا وأسرائيل وحكمت ولعقود الصين والقارة الهندية والمشرق والخليج العربي والكثيرمن أجزاء أفريقيا)...

ثم شاهدوا السقوط المدوّي للأتحاد السوفيتي والمعسكرالأشتراكي ، والأنسحاب المتسارع لبريطانيا من مستعمراتها. وهاهم يكادوا أن يشهدوا الأنهيار الأقتصادي المدوّي لأوربا وتزعزع الوضع الأقتصادي لزعيمة المعسكر الرأسمالي أمريكا، بعد أن أشـّرت مظاهر سابقة الى أنهيار الكثير من منظومات الغرب القيمية والأخلاقية والسياسية والأجتماعية والى تزايد الخواء الروحي في صفوف مجتمعاته وحيرة مفكّريه وفلاسفته وبحثهم عن منظومات فكرية أخرى قادرة على توفير الأجوبة المناسبة على أسئلة هامة يفرزها الواقع والمستقبل. كما شاهدت القواعد الشعبية للأمام المهدي وخلال العقود الأربعة الأخيرة سقوط طاغوتين متفرعنين كانا يحكمان أهم موطنين لتلك القواعد، وهما أيران والعراق، وأنهيار نظاميهما أنهيارا كاملا بالرغم من القوى المادية الهائلة التي كانت تدعم وجودهما وبقائهما وبالرغم من سعة وعمق الجرائم الوحشية التي أرتكبوها لضمان ذلك البقاء

وبسقوط شاه أيران وصنم بغداد البعثي تم أزالة عقبات كؤودة وخطيرة من أمام حركة الناصرين المؤازرين، وبالتالي أنطلاقة وأزدياد زخم حركتهم للتعجيل بالظهور المبارك، كما ساعد سقوط الطاغيتين على الأنطلاقة القوية الواسعة للنشاط الفكري والفعاليات التبليغية والعمل الأعلامي (على مستوى الوطن والمنطقة والعالم) فيما يتعلّق بالقضية المهدوية والظهور المبارك للمنجي الموعود، وقضية الأستعداد لظهوره المبارك ، ومما يزيد من أهمية التجربة الأيرانية التي بدأت عام 1979م ،هو السعي لبناء النظام السياسي الجديد على أساس قيادة الفقيه المرجع الجامع للشرائط (الذي يمثل موقع نائب الأمام المهدي (ع) في عصر الغيبة الكبرى وفق عقائد مدرسة أتباع أهل البيت (ع) ). أذا ربما يمكن القول بأن نسبة غير قليلة من القواعد الشعبية للأمام المهدي (ع)، تمتلك الوعي والشعور الحقيقي بأهمية وعدالة الهدف الذي يسعى المهدي اليه، والأطروحة التي يسعى الى تطبيقها، كما أن الملايين من تلك القواعد لديها الأستعداد للتجاوب مع تجربة يوم الظهور وتطبيقاته، كما أنها يأست من كل التجارب السابقة التي أدّعت لنفسها حل مشاكل العالم ، ثم أفتضح أمرها وأنكشف زيفها... ولكن نبقى غير مؤهّلين لتحديد نسبة أولئك الذين لديهم الأستعداد للتضحية في سبيل هدفهم على أي مستوى أقتضته مصلحة ذلك الهدف ، وهو أحد الخصيصتين اللتين يجب توفرها في الناصرين المؤازرين المنفذين بين يدي القائد المنتظر، علما أن ظروف الظلم والتمحيص والغربلة والأبتلاء، التي مرّت (خاصة في العراق حيث موطن عيش جزء مهم من تلك القواعد الشعبية)، تؤدي بالضرورة الى أنتاج أعداد غير قليلة من الناصرين من ذوي الوعي العالي والشعور الكبير بالمسؤولية والأستعداد للتضحية، من ذوي الأرادة والعزيمة القويتيين.. الذين يستمرون بالتكامل والصمود ومكافحة القوى الظالمة وتيارات الفساد والأنحراف وتفضيل مصلحة الأهداف الكبرى على مصالحهم الشخصية وراحتهم القريبة. أن دعم هذا الأتجاه، أي العمل على زيادة أعداد الناصرين المؤازرين للأمام المهدي (ع) عند ظهوره، وزيادة (وعيهم وشعورهم بالمسؤولية وأستعدادهم للتضحية)، وزيادة فاعليتهم بأتجاه كل ما من شأنه التعجيل بالظهور...يتطلّب معالجة بعض الظواهر الموجودة في واقع القواعد الشعبية، وكذلك يتطلب القيام ببعض الأمور، وأهمها:

  1. معالجة بعض المنطلقات والمفاهيم الخاطئة للعمل الأسلامي المعاصر، والسائدة لدى أوساط غير قليلة من العاملين، من قبيل أعتبار سقوط دولة الخلافة (العثمانية) هوالمبرر الأساس لتأسيس الأحزاب الأسلامية (وهو ما ينسجم مع رؤى ومواقف المسلمين البعيدين عن منهج أهل البيت (ع)) ، بينما مدرسة أهل البيت (ع) تقول لنا، بأننا نعيش عصرالغيبة الكبرى للأمام الثاني عشر (ع)، وعلى الفرد المسلم والجماعة المسلمة جملة واجبات ومهام ذات علاقة حيوية بطبيعة المرحلة التي تمر بها الغيبة الكبرى (أضافة للواجبات الثابتة المشتركة في كل العصور)، ومن قبيل أعتبار البعض قيادة التنظيم الحزبي ،قيادة للأمة ولها كل حقوق القيادة الشرعية!! (القيادة الحزبية في الحركات الأسلامية هي في الواقع ليست أكثرمن قيادات تعبوية، تعبّيء وتنظّم الأمة بأتجاه الأرتباط بقيادتها الشرعية )،بينما تكون القيادة الشرعية للأمة في عصر الغيبة الكبرى هي للأمام المهدي ع أو للقيادة النائبة له ،والتي حدّد الأمام شروطها ومهامّها والتي تقع اليوم تحت عنوان المرجعية الدينية العليا (المالكة لشروط التصدي لموقع نيابة الأمام الحجة (ع))... ونشاهد اليوم في العراق نتائج واضحة في سلوك بعض الأحزاب والقيادات الأسلامية التي تحمل مثل تلك المنطلقات والمفاهيم الخاطئة،في مجال طريقة تعاملها مع المرجعية الدينية العليا (سواءقبل أوبعد وصولها للسلطة) ..!وفي مجال عيشها للعصبيات والمصالح والصراعات الحزبية الضيّقة التي أدّت الى شق صفوف (الجماعة الصالحة ،أي جماعة أتباع أهل البيت (ع)) وأذكاء وتأجيج الصراعات الجانبية داخلها. أن توعية العاملين بالقضية المهدوية وتعريفهم بمحورية هذه القضية ، وتعريفهم أيضا بتكليف الفرد المسلم وتكليف الجماعة المسلمة في عصر الغيبة الكبرى، كل ذلك يساهم وبدرجة كبيرة في تصحيح تلك المنطلقات والمفاهيم الخاطئة والمنحرفة السائدة اليوم في أوساط الكثير من الأسلاميين.
  2. وضع الخطط والبرامج والسياسات والمواد التثقيفية اللازمة لتطوير الولاء العاطفي والتفاعل الحماسي والمشاركة الواسعة والبذل والعطاء الآني للملايين من أتباع أهل البيت (ع) في مواسم المحرم والأربعين أو في مواسم زيارة الأمام الحسين (ع) وزيارات ومناسبات باقي أئمة أهل البيت (ع) وتحويله الى سلوك يومي مستمر وثابت وتنقيته من الشوائب المتعارضة مع القيم والقواعد الأسلامية ، والأهم من ذلك توجيه تلك الطاقات الهائلة نحوخدمة متطلّبات أستكمال شرائط الظهور، ألا تشكّل خسارة كبيرة أن تكون نتائج مثل تلك الفعاليات والزيارات المليونية التي تتكرر عدة مرات في العام ، منحصرة بأيام قليلة وعلى المستوى الفردي، مع أن الحماسة و التفاعل الوجداني الجماعي تكون في ذروتها لدى تلك الملايين.لقد شاهدنا تجارب مفيدة في بلد جاركانت قيادته تحرص في كل مناسبة دينية يشارك فيها الملايين، تحرص على أن تنتهي المسيرات ببيان ختامي وقرارات تمثـّل مطاليب المشاركين ، وكان يتم تضمين ذلك البيان أهم أولويات المرحلة سواء على الصعيد الديني أو السياسي أو الأجتماعي، ويتم أيضا أقرار آليات لمتابعتها
  3. التصدي للآنحرافات أو التوظيفات السياسية الضيّقة والسيئة لبعض مفردات القضية المهدوية ، والتي تقوم بها في الغالب جهات تستهدف الكسب السياسي أو الأجتماعي الرخيص ، أوجهات خارجية مشبوهة تشير بعض الأرقام الى أرتباطها بدوائر مخابراتية خليجية وغربية (مثل بعض الجماعات التي تنشط في بعض مناطق الجنوب العراقي، وتزعم أن قادتها هم من رجال المهدي المعتمدين أوجماعة اليماني أو ...الخ، علما أن بعض ملفات أجهزة الأمن العراقية الحالية تشير الى أن بعض أدعياء الحركات المهدوية المزيفة ، كانوا ضباط مخابرات في العهد البعثي البائد)، وتنبع أهمية التصدّي لتلك المجموعات المشبوهة ، من أنها تؤدي الى تضليل طاقات غير قليلة من أتباع أهل البيت ، أضافة الى خلق حالة عامة من التشكيك لدى القواعد الشعبية المؤمنة بالمهدي تجاه أية حركة مهدوية مخلصة مستقبلا
  4. أعادة تصحيح واقع الأحزاب الأسلامية العاملة في أوساط أتباع أهل البيت (ع)، وفق رؤى نهج مدرسة أهل البيت وطبيعة مرحلة الغيبة الكبرى.. وشرائط الظهور، وأبرز الملامح المطلوبة في عملية التصحيح:ـ أن يكون دورالحزب مساعدا على زيادة تماسك ووحدة (الجماعة الصالحة)، أي جماعة أتباع أهل البيت (الذين هم في الواقع الحزب الأكبر الذي له عقيدته وبرنامجه وقيادته التي تبلورت خلال قرون، تحت عين أئمة أهل البيت (ع))، وتجنّب أن تتحول الأحزاب داخل هذه الشريحة الطليعية الى عامل صراع وتقسيم وتجزئة، وبالتالي الى حركة مضادة للحركة التاريخية التي تهدف للوصول الى يوم الظهور المبارك. لايجوز أن تستمر هذه الظاهرة الشاذة التي نراها في واقعنا السياسي والأجتماعي وحتى الثقافي، والمتمثلة بالتكاثر الأميبي للتنظيمات الحزبية والحركية داخل الجسم الشيعي، والتي تسعى كل منها لأعطاء تبريرات مقنعة (ولكنها في الواقع متهافتة) لنشأتها، بينما يتساءل الرأي العام الأسلامي الشيعي عما يبرر عدم وحدة تلك التنظيمات (وتشمل هذه الظاهرة المؤسفة أيضا ظاهرة تكاثر مكاتب الفقهاء الجدد، ولكل منهم بالطبع رسالته العملية)
  5. المعالجة السريعة لكل الأسباب التي تؤدي الى الأبتعاد عن المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف ،والسعي الجاد للألتفاف حولها، وأزالة أسباب عدم رضاها عن السياسيين المتصدّين والتي تتعلّق في الواقع بسوء الأدارة وسوء الخدمات المقدمة للمواطنين والفساد المستشري والصراعات من أجل المصالح الحزبية والشخصية، وعدم الوفاء بالوعود المقدمة للقاعدة الأنتخابية، يجب أن لاننسى بأنه لولا مواقف المرجعية العليا لفشلت العملية السياسية في مهدها.

بقيت كلمة أخيرة، وضمن عنوان الشرط الثالث (الناصرين المؤازرين)،بحسب رأي بعض المختصين بالأبحاث المهدوية، تدل الأخبار على أن غالب سكنى المهدي (ع) هو في العراق، فهو بلد سكناه في غيبته الصغرى وفيه مساكن ومدافن جملة من آبائه الطاهرين (ع)، كما أن العراق و الكوفة خاصة، ستكون هي المنطلق الأساسي بعد ظهور المهدي (ع)، لفتح العالم كله والعاصمة الرئيسية للدولة الأسلامية العالمية المهدوية...والعراق مسكن للقواعد الشعبية التي تؤمن بوجود المهدي وغيبته، والعراق سيصبح الأرض التي تتمخّض عن عدد غير قليل من القادة الرئيسيين الذين يعملون بأمرة الأمام المهدي (ع) بعد ظهوره، بأعتبار ما يمرّ به من مظالم ومآسي لامثيل لها. كما لابد من الأهتمام الخاص بدور (الناصرين المؤازرين) القادمين من أيران وبلاد الشام (ونعتقد أنها تضم تأريخيا لبنان وفلسطين أضافة الى سوريا) ومصر واليمن ،لأن الروايات الموثوقة عند أتباع أهل البيت (ع) ،تشير الى دورهام مساند للظهور من قبل (عصائب أهل العراق ) و( أبدال الشام) و(نجباء مصر)، كما أشارت الى دورمهم للخراساني وأصحاب الرايات السود القادمين من أيران، ودور لليماني من اليمن والذيوُصفت رايته بأنها راية حق ،أضافة لأهل البحرين الذين تمتلأ الكتب بقصص مقابلة خواصّهم للأمام المهدي (ع) في عصر غيبته الكبرى.

أما الشرط الثاني (أي القائد الكبير المؤهّل لقيادة العالم)،فليس لدينا ما نضيف الى ما ذكرناه في في الصفحات السابقة، ونقول فقط ان القائد الكبير عاصر خلال فترة الغيبة الكبرى التي بدأت قبل أكثر من ألف عام، سقوط الدولة العباسية التي أستمرت لأكثر من خمسة قرون، وعاصر هجوم المغول على البلاد الأسلامية وأحتلال بغداد وماجرى من مآسي وأحداث جسامثم نشوء الدول المغولية وتحولها الى مذهب أهل البيت (ع)، ثم نشوء و سقوط الدولة العثمانية وبعدها الأحتلال العسكري الأوربي لأغلب البلاد الأسلامية، ثم ثورات الأستقلال التي قادها علماء الدين...ثم الأنقلابات العسكرية وصولا الى عصرنا الراهن.

وعلى المستوى العالمي عاصر نشأة الأمبراطوريات الأستعمارية الأوربية (بعد سقوط الدولة الأسلامية في الأندلس وتركها لتراث علمي وحضاري ضخم)، أبتداءامن الأسبانية والبرتغالية ثم الفرنسية والبريطانية، وعاصر نشأة الأتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية أوالأشتراكية، بعد الحرب العالمية الثانية ثم سقوطها وتبعثرها عام 1990م، وعاصر ولايزال الأمبراطورية الأمريكية التي بدأت أرهاصات بدء أنحدار منحنى مسيرتها، ولكل هذه المراحل التاريخية دروسها الخاصة!

والآن هل نتمكن من الأجابة على السؤال الذي طرحه عنوان المقالة؟ ربما نحتاج الى أبحاث أخرى تساعدنا على ذلك، ولكن أحساسي القلبي وقناعاتي الخاصة، تجعلني شخصيا أميل الى القول بأننا نقترب وبسرعة من عصر الظهور المبارك انشاء الله، فالأمر أولا وأخيرا مرهون بأذن الله تعالى... وما يزيد من قناعتي الشخصية التطورات السريعة المتلاحقة في عدد من الساحات ذات الصلة بالظهور، وآخرها التطورات الجارية في مصر واليمن والعراق وأيران و لبنان... وأرهاصات الحركة السفيانية في بلاد الشام؟!؟

والله أعلم