banner
مقارنة اولية بين التجربتين المصرية والأيرانية (1، 2، 3)

لاادري لماذا يرد إلى ذهني موضوع المقارنة بين تجربة الثورة الشعبية الناجحة في ايران ، والتي تعيش هذه الأيام الذكرى الخامسة والثلاثين لانتصارها وانبثاق الجمهورية الاسلامية الإيرانية ، وبين تجربة الثورة الشعبية في مصر... والتي رغم التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب المصري النجيب ورغم الماسي التي تسبب بها نظام مبارك ، الا ان الثورة انتهت إلى إعادة إنتاج نظام مبارك ولكن بعناوين وألوان جديدة وبقاء نفس مراكز القوى الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية التي حكمت مصر منذ ١٩٥٢ وحتى ٢٠١٠ . تتشابه ايران ومصر في العديد من الخصائص : عدد السكان - الجذر الحضاري الضارب في عمق التاريخ - الهوية الدينية الاسلامية وتمسك مختلف طبقات الشعب بها - طبيعة المجتمع ودور المراءة ومكانتها - تعرض الشعبين لفترات من الحكم الاستعماري وبعده تسلط حكام دكتاتوريين مرتبطين عضويا بالولايات المتحدة الأمريكية وكذلك بالكيان الغاصب لفلسطين - وجود شخصيات وقوى سياسية نشطة عريقة ومعارضة للدكتاتورية... لماذا نجحت الثورة الشعبية في ايران في إسقاط النظام الشاهنشاهي القمعي المدعوم دوليا وإقليميا وصاحب خامس جيش بالعالم آنذاك ، ونجاحها في إقامة النظام الديمقراطي الإسلامي القاءم ليومنا هذا وتحوله إلى قوة إقليمية كبرى ( أرجو ان لا يعتبر البعض الإشارة إلى الصفة الديمقراطية للنظام الإسلامي نوع من الدعاية، لانه منذ إقامة الجمهورية الاسلامية في عام ١٩٧٩ ولحد الآن تناوب على الحكم فيها سبعة رؤساء جمهورية ، بينما لا يغير الحكام العرب سوى الموت ! ) ... ولماذا فشلت الثورة الشعبية المصرية في إسقاط النظام العسكري المرتبط عضويا بالولايات المتحدة الأمريكية ، وعادت نفس النخب الأمنية والعسكرية والسياسية لنظام مبارك ولكن بإخراج جديد وشعارات جديدة ! هذا ما سوف نجيب عليه لاحقا....

المقارنة بين التجربتين الأيرانية والمصرية ( 2 )

قبل ان نفصل في أوجه التشابه وأوجه الأختلاف بين التجربتين واللتي أدّت الى نجاح الأولى وفشل أو توقف الثانية ، أرغب بالتذكير ببعض الأفكار العامة حول ماتم تسميه بثورات الربيع العربي ( كتبتها في مقالات قبل حوالي عامين ، وتم نشرها في كتاب تم طباعته في العراق فبل أكثرمن عام .

هناك عناصر مشتركة أساسية عاشتها ولاتزالأغلب الدول العربية ،وهي التي أدّت الى تلك الأنتفاضات الشعبية المتلاحقة، وأهمّها :

  • أقصاء الشعوب عن دورها الأساسي في أدارة الحياة السياسية والأقتصادية وحتى الثقافية ومنع أو تزوير الأنتخابات وأحتكار نخب ضيّقة عسكرية أوحزبية أو عشائرية وعائلية لكل عناصر القوة السياسية والأقتصادية في البلد،وأتّساع الفجوة بين طبقة الحاكمين والمنتفعين بهم من جهة وبين المحكومين المظلومين والفقراء من جهة أخرى وشيوع ظواهر الفساد المالي للحكّام وعوائلهم وأنصارهم .
  • أعتماد القمع الوحشي للشعوب ولقواها الوطنية ، كأستراتيجية وحيدة للبقاء في السلطة ،و الأنتهاك المبالغ فيه لحقوق وكرامة المواطنين والتعامل معهم كعبيد للحكّام.
  • مصادرة الأرادة الوطنية المستقلّة والأرتهان للأرادة الخارجية وخدمة المصالح الأجنبية ، وخاصة المصالح الأمريكية والصهيونية والأوربية، والى درجة بدأ معها أغلب الحكّام العرب يشعرون بأن وصولهم للسلطة وبقائهم فيها لايعتمد مطلقا على مواقف ودعم شعوبهم ،بل علــى مدى تبعيتهم وخدمتهم لمصالح القوى الأستعمارية الكبرى والكيان الصهيوني وعلى دعم بعـض مجموعات الضغط والمصالح الدولية..
  • محاربة الهوية الوطنية والحضارية للشعوب العربية ( والدين محور تلك الهوية )والسعي لترويج هوية مســخة مســتوردة لاصلة لها بالجذور الوطنية.


أن أبرزعناصرقوة الأنتفاضات الشعبية العربية المعاصرة، يجب أن تكون :

  • توكّل الشعب وبالأخص قادة الأنتفاضة على الله ، لأن النصر من عنده .
  • وحدة الكفاح الشعبي ورص الصفوف وتوجيه الطاقات كلّها نحو العدو ونحو الهدف .
  • عدم المساومة على حرية الشعب وكامل حقوقه السياسية والأنسانية وعلى أستقلال و سيادة الوطن والمصالح العليا للدولة، وعدم القبول بأنصاف الحلول .
  • قلع كل الشجرة الفاسدة المنتجة للظلم والدكتاتورية والتبعية، ومن جذورها وعدم الأكتفاء بسقوط ثمرة فاسدة واحدة أو سقوط عدة ثمارفاسدة مع بقاء الشجرة الخبيثة وجذورها...
  • الأصرارعلى كتابة الدستور بأيد وطنية منتخبة من الشعب ، والأصرارعلى الأنتخابات الحرّة النزيهة وعلى قانون أنتخابي جديد ينطلق من مبدأ(لكل مواطن صوت)، والأصرار على بناءالمؤسّسات الدستورية المعبّرة بصدق عن أرادة الشعب،والأصرار على المحافظة على حقوق كل المواطنين مهما كانت أنتماءاتهم الدينية والقومية والمذهبية والسياسية...
  • أن يكون قادة الثورة على درجة عالية من الوعي السياسي والقدرة القيادية وحسن السمعة والنزاهة التامة وعدم الأرتباط بالنظام السابق وبالدوائرالأجنبية،وتنطبق على كل منهم مقولة القرآن الكريم (...القوي الأمين ).

أما أبرز نقاط الضعف التي يمكن أن ينفذ من خلالها النظام القديم أوالقوى التي تدعمه، فهي :

  • فقدان القيادة الموحّدة ،وتعدّد القيادات وتعدد الأهداف والبرامج والرؤى..
  • الأنجرار الى الصراعات الجانبية على حساب محور الصراع الحقيقي والأساسي ..
  • ضعف الوعي السياسي وعدم الأستفادة من تجارب الماضي والآخرين ..
  • حب أمتيازات السلطة والأستعجال للوصول اليها ، ولوعلى حساب المباديء والمصالح العليا للوطن والمواطنين ..
  • عيش وهم أمكانية أعتماد نفس النخب العسكرية والأمنية الخاصة بالنظام القديم،في حماية النظام السياسي الجديد. بالطبع المراتب الدنيا في الجيش والشرطة هم جزء من الشعب .
  • الأستعانة بالقوى الخارجية لموازنة الضعف الداخلي .
  • أبتعاد القادة تدريجيا عن الشريحة الشعبية الفقيرة والأنعزال داخل وسط نخبوي مترف..

مقارنة بين التجربتين الأيرانية والمصرية ... ( 3 )

نستعرض بعض نقاط التشابه بين الشعبين والمجتمعين المصري والأيراني : كلا الشعبين والكيانين ذوجذر حضاري معروف يمتد الى أعماق التاريخ ، فحضارة مصر العظيمة المعروفة التي لاتزال الكثير من معالمها قائمة ...بأهراماتها و’أقصرها و قبورها الفرعونية وأبوالهول ومومياتها ..وبضمنها مومياء الفرعون الذي وعد الله في كتابه المجيد بأن ’ينجيه ببدنه ليكون آية ..، وأيران وفارس القديمة شاخصة بآثارها في شيراز ويزد ... من تحت جمشيد الى آثار كسرى ، ولم تكن صدفة أن يختص رسول الأسلام الأكرم ص ملوك هاتين الحضارتين برسالتين من رسائله الثلاث المعروفة التي أرسلها في فجر الرسالة لدعوتهم الى الأسلام (واحدة الى كسرى فارس والثانية الى عظيم أقباط مصر ) ...وكلا المجتمعين دخلا الأسلام ،فكان الشعب الأيراني والشعب المصري في طليعة الشعوب التي أعتنقت الأسلام آخر الشرائع السماوية ..وذلك بعد جزيرة العرب والعراق.. وكلا الشعبين قدما علماء وقادة مسلمين كان لهم دور كبير في الحضارة الأسلامية قديما وحديثا ، وأذا كانت الحوزات العلمية المعروفة في أيران في مشهد المقدسة وقم المقدسة قد ساهمت ومنذ مئات السنين في نشر العلوم الأسلامية وتخريج العلماء والخطباء المتميزين ، فأن الأزهر تلك الجامعة الأسلامية العريقة التي أنشأتها الدولة الفاطمية قبل مئات السنين ظلّ صرحا علميا متميزا حتى بعد سقوط الدولة الفاطمية ، والمفارقة هنا في تبادل الأنتماء المذهبي للشعبين بفعل عوامل وأسباب لايسع المجال هنا لبحثها، فمصر الفاطمية الشيعية تحولت الى المذاهب السنية وأيران السنيه تحولت الى المذهب الشيعي الأثناعشري ... وربما كان هذا هو السبب في وسطية الأسلام الذي يتميز الشعبين بالتديّن به، فكلاهما عاشا حالة الأنتماء للمذهبين ..ولهذا نرى تحول أيران الى مركز مهم من مراكز الدعوة للوحدة الأسلامية والوسطية الأسلامية والتسامح..وفي المقابل كان المجتمع المصري والأزهر الشريف عصيّا على الحركة الوهابية والتيارات التكفيرية المنحرفة وكان المجتمع المصري ولايزال من المتميزين في ’حب أهل البيت ع ، وأرجو أن لايتسرّع البعض ويصدر أحكاما سطحية مستعجلة على المجتمع المصري نتيجة بعض ماجرى في السنوات الأخيرة ، لأنها لاتعبّر عن طبيعة المجتمع المصري بقدر ما’تعبّر عن تيارات سياسية مأجورة يحركها البعض ويدفع لها من الخارج لأهداف سياسية ذات صلة بالصراع الأمريكي الأيراني وبالصراع الصهيوني العربي...وليست له أية جذور ثقافية ذات صلة بالمجتمع المصري المتسامح ...