banner
ارهاصات تشكيل المؤتمر الوطني العر اقي - بمناسبة رحيل الدكتور أحمد الجلبي

نعتذر للأصدقاء الأعزاء عن طول المقالة..إلاّ أنني أؤكد أنها غير مملّة..

كان صيف 1992 عندما سمعت بتحرك يقوده الراحل الدكتور أحمد الجلبي لتأسيس إطار جديد للمعارضة العراقية , ووصلتني دعوة عن طريق صديق للمساهمة في هذا الجهد الذي لم يكن يخفي من البداية توجهه للتواصل مع العامل الدولي الغربي .. والأمريكي بشكل خاص ولمبررات لايصعب طرحها والإقناع بها آنذاك...

بعد أن تخلّى الجميع عن الشعب العراقي ..خاصة بعد توقّف الحرب العراقية الإيرانية التي كان البعض يأمل بأن تنتهي بسقوط نظام صدام.. ولكن وقف الجميع داعما للنظام البعثي الصدامي ليس حُبا له بل خوفا من تداعيات سقوطه على يد نظام ثوري إسلامي مستقل ... وبعد تحرير الكويت و ترك صدام دون محاسبة ودون مُعاقبة .. بالرغم من الجرائم الكبرى التي أرتكبها خلال إحتلاله بحق الشعب العراقي والشعب الكويتي وباقي شعوب المنطقة.. وهو ما يعترف به خالد بن سلطان ويعلن بان خاتمة حرب تحرير الكويت كانت مريبة وغريبة (راجع كتاب مقاتل من الصحراء ـ تأليف الفريق خالد بن سلطان آل سعود)...

يقول احد المحللين السياسيين: السؤال البرئ الذي يطل برأسه، كيف اصابت الحرب الخليجية الهدف العسكري بتحطيم جيش العراق وكيف اصاب الحصار الهدف البشري بالعودة بشعب العراق عقوداً عدّة الى الوراء، بينما اخطأت الحرب كما اخطأ الحصار معاً الهدف الذي يُفترض ان امر مواجهته كان مصدر الشرعية السياسية للحرب والحصار بما لا يقل شأناً عن هدف تحرير الكويت، وذلك هو هدف تقويض نظام يهدد استقرار المنطقة وامن شعوبها كما يهدد الشعب الذي يأن تحت وطأة حكمه ..

كيف ولماذا ضلّت تلك الحشود الاقليمية والدولية ذلك الهدف وانصرفت عنه، مع انه كان ضمنياً وصراحةً هدفاً جوهرياً في الخطاب السياسي للحرب والعقوبات؟ الا يطرح هذا سؤالاً بريئاً عن مدى صدق الذرائع الامريكية التي بررت بها ابقاء الوضع الداخلي للعراق على ما هو عليه؟

الا يدفع هذا (اللغز) الذي اعطي مغزى اخلاقياً عن عدم الرغبة في تدخل مباشر لتغيير السلطة في العراق الى التساؤل عن السبب او الأسباب البراغماتية وراء هذا التعفف غير المقنع لانه ليس من عادة امريكا مثل هذا الموقف من أعدائها او حتى أصدقائها الذين استنفذت ادوارهم؟(راجع مقالة : العراق... أسئلة بريئة لوضع مريب ـ القسم الأول ـ بقلم فوزيةأبوخالد /كاتبة وأكاديمية سعودية/ صحيفة الحياة ـ العدد 12691 بتاريخ 28/11/1997)

بالطبع كان هُناك إطار للمعارضة العراقية يُسمّى بلجنة العمل المشترك ومقرها في بلاد الشام (ساهمت في مباحثاتها الأولى ممثلا للشورى المركزية للمجلس الأعلى ,إضافة لممثل المجلس في سوريا الأخ باقر صولاغ الزبيدي والمشرف على المكتب السيد محمد الحيدري ,وكان الأخ علي الأديب ممثلا لحزب الدعوة الإسلامية إضافة لممثل الدعوة في سوريا الأخ أبونبوغ ومن بعده الأخ المالكي ... والشيخ المرحوم جاسم الأسدي ممثلا لمنظمة العمل الإسلامي .. وساهمت في كلا المرحلتين من المباحثات التمهيدية .. المرحلة الأولى التي قادها السيد مسعود البارزاني والمرحلة الثانية التي قادها السيد جلال الطالباني والتي أنتهت بالتوقيع في بيروت على ميثاق العمل المشترك ), وجمعت وللمرة الأولى الكرد والعرب والشيوعيين والإسلاميين والقوميين والسنة والشيعة .. بل يقول البعض إن فكرة الإطار الجديد للمعارضة العراقية الذي تحرك به الراحل الجلبي أنبثقت للمرة الأولى في أجتماعات لجنة لندن المتفرعة عن لجنة العمل المشترك..

كالعادة أنقسمت الساحة السياسية العراقية المعارضة خارج العراق في الموقف من التحرك الذي قاده المرحوم الجلبي , بين مؤيد .. بل ومنخرط في مقدمات تأسيس ذلك الإطار الجديد ..وبين رافض لذلك التحرك ..بل ويتهم المشروع بالدوران في الفلك الأمريكي والخضوع لأملاءاته ..

ربما يكون مناسبا وقبل بيان الموقف من تحرك الراحل الدكتور أحمد الجلبي آنذاك , العودة قليلا إلى الوراء .. للتعرف على طبيعة المرحلة الخطيرة التي كان العراق يمر فيها , سواء على الصعيد الداخلي أم على الصعيد الأقليمي والدولي ..بعد تداعيات العدوان على الجمهورية الإسلامية وبعد غزو وتحرير الكويت وبعد الأنتفاضة الشعبية الشعبانية .. هكذا كان الواقع العراقي عند التحرك :

  1. مجازر وحشية ينفذها النظام تجاه الشيعة دون ان تتمكن قوى المقاومة والمعارضة من ايقافها، ودون ان تبدي أيّة قوّة إقليمية أو دولية استعدادها لإيقافها ,وأكتفت الإدارة الأمريكية بإيجاد منطقة آمنة للأخوة الكرد ..وتركت الشيعة لمذابح صدام .. وشماتة الأنظمة الرجعية العربية..
  2. فراغ شبه كامل في ساحة قيادة المرجعية للأمّة (باستثناء إعطاء الأجوبة الفقهية على المسائل العبادية الفردية)
  3. تكتفي المعارضة الإسلامية (المعارضة العراقية عموماً) بالعمل المنظّم السرّي في ظل ظروف صعبة جداً أو تكتفي بعمليات مسلحة غير محكومة بخطة سياسية وذلك ضمن مرحلة أضرب وأهرب، وهذه الفعاليات بطبيعتها لا تناسب قطاعات واسعة من الأمة لصعوبة شروطها
  4. يكاد محور متطرف في النظام يرفع شعار (لا شيعة بعد اليوم) أن يفرض هذا الشعار كسياسة حكومية رسمية، وربّما بسكوت وتواطؤ مريب من قبل بعض الدوائر الإقليمية والدولية
  5. عدم وضوح معالم خطة سياسية متكاملة تعتمدها القوى المعارضة في الخارج لإطاحة نظام صدام
  6. لا يمكن تحقيق تغيير حقيقي في أوضاع العراق دون مشاركة شعبية واسعة، ولا يمكن تحقيق هذه المشاركة دون أن تتطور حركة الجماهير ضمن أجواء عمل علنية وطبيعية...

• النظام يعيش هاجساً يومياً حاداً لاحتمال تكرر الانتفاضة الشعبية، فالمجموعة الحاكمة والجهاز الحاكم يعلم بان كل الشعب يرفضه
على الصعيد الإقليمي: استمرار التوتر عموماً بين الحالة الإسلامية في اغلب الدول او بين الاوساط والجماهير والقوى الشيعية في بعض الدول وبين نظم الحكم في عدد من الاقطار المجاورة او القريبة واستمرار تأثير العقدة الإيرانية المؤثرة في سياسات تلك الأقطار تجاه بعض مفردات الواقع السياسي والاجتماعي في مجتمعاتها، واستمرار مخاوف تأثيرات دور الشيعة في الحياة السياسية في العراق على تلك البلدان.
إضافة الى العزلة شبة التامة بين النظام الحاكم في بغداد والمحيط العربي والإسلامي .

على الصعيد الدولي: أهمّها وجود إشارات دولية بدائية لدور أكثر جذرية وحيوية للشيعة في نظام الحكم المستقبلي في العراق – الى جانبه استمرار سياسات دولية قديمة للمحافظة على نفس المعادلة السياسية (خاصة في بعدها الطائفي) في العراق مهما كان الثمن، بل وتهيؤ قوى دولية مؤثرة لإجراء سياسات عزل طائفي وجغرافي واسع يضمن حفظ مصالحها الإستراتيجية البعيدة: أمّا لمخاوفها من التغيير وعدم التمكن من مسك خيوطه...وضعف البدائل او لمخاوفها من الدور الايراني... لعدم حسم ازدواجية القيادة في ايران.

او لعدم بلوغ القيادات العراقية الإسلامية الشيعية – حتى الآن- لمرحلة الواقعية الذرائعية في العمل السياسي وفي تحديد الاهداف التي تنسجم مع قواعد اللعبة السياسية الدولية، او هناك مخاوف من تكرار التجربة الإيرانية في العراق، ببعدها الداعم للحركات المعادية لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية وما يسمى بعملية السلام.

هناك مخاوف من حصول انسجام وتكامل بين ايران وبين العراق المستقل المحكوم من قبل الإسلاميين الشيعة مما يؤدي الى نشوء محور دولي كبير مدعوم بطاقات اقتصادية وبشرية كبيرة.

هناك الأطماع الدولية بالثروات الخيالية الموجودة في العراق.

• كما انّ هناك نمواً في العلاقات السياسية وربّما الميدانية بين قيادات عراقية شيعية موجودة خارج الوطن وبين الولايات المتحدة الأمريكية وان كانت لحدّ الآن تقوم على اساس العلاقات والحوارات السرّية (بالطبع اغلب القيادات السياسية غير الإسلامية وغير الشيعية رتبت علاقاتها مع امريكا مباشرة او بواسطة وسطاء إقليميين منذ زمن غير قصير)

• وبالتالي هناك مخاوف عند النظام من إمكانية بلوغ تلك العلاقات لمستويات تهدده بالصميم بالرغم من ان منطلق أغلب القيادات الشيعية في العلاقة هو إزالة مخاوف الدوائر الدولية منها وطمأنتها تجاه المستقبل إضافة للسعي من أجل دفع الدوائر الدولية لإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان المروعة خاصة في مناطق الجنوب العراقي ...

هذه هي بعض أهم ملامح الواقع العراقي عند تحرك الجلبي وشخصيات متحالفة معه لإيجاد إطار المؤتمر الوطني العراقي ..

يتبع...