banner
بحث حول جذور الخطاب الثقافي العراقي المعاصر

مدخل:

نبدأ بعبارة وردت في رسالة الدعوة الأولى إلى الملتقى ،لنصل إلى موقع بحثنا في صورة محور الملتقى الفكري ،وهي { مع علمنا بدور العوامل السياسية في الأزمة ودور العوامل الأخرى مثل (التدخلات الخارجية) آلا إننا نريد بحث واحدة من تلك العوامل وهو الفكر والأفكار والمناهج الفكرية ودورها أومسؤوليتها عن واقع الأنقسامات والصراعات السياسية والأجتماعية العميقة في المجتمع العراقي ،أو دورها في رص بنيان المجتمع وترسيخ أسس وحدته }

أولا - الخطاب الثـقافي و ثانيا- المصالحة الوطنية

المراقبون لمسيرة الخطاب الثقافي في العراق (أو الخطاب الثقافي العربي الموجه للعراق) يلحظون تغييرات هائلة بعد 9/4/2003 ومن أبرز صوره ومظاهره:

  1. اعتماد المعيار الطائفي (المذهبي) في تحليل الأحداث والأزمة في العراق ،واعتماده في اقتراح الحلول لتلك الأزمة
  2. غالبية وسائل الإعلام العربية والدولية أعتمد نفس المعيار الطائفي في تسمية الشخصيات والأحزاب السياسية والكتل البرلمانية وفي توصيف الأحداث الجارية على الساحة ،بالرغم من أن القوى السياسية العراقية تعمل في الساحة العراقية منذ عشرات السنين
  3. في العراق وبعد عقود (وربما قرون) من المنع والحجر والكبت والمحاصرة ،بدأ الخطاب الثقافي والفكري الشيعي في الانتشار العلني والواسع (أسواق الكتب والصحف والفضائيات والإذاعات المحلية ومجالس المحاضرات والوعظ وغيرها)
  4. تحول خطاب القوى المضادة للتغيير الذي حصل في 9/4/2003 وفي صُلبها خطاب حزب البعث الذي حكم العراق من 1968 – 2003 ،إلى خطاب طائفي معادي للشيعة والسعي للإيحاء بأن الخطاب الثقافي البعثي هو المعبّر الوحيد للخطاب الثقافي العربي (السنّي) في العراق وفي العالم العربي...
  5. الخطأ المتعمّد (أو غير المتعمّد) بأعتبار الأنتماء المذهبي (الطائفي) لشيعة العراق يعني أنتماءً سياسياً أو تنظيمياً محددا ً،لم يقع فيه المعادين للوجود أو للنفوذ السياسي الشيعي فقط ،بل وقعت فيه ايضاً شخصيات وقوى سياسية وأجتماعية شيعية عراقية بسبب أجواء الحرية وسقوط نظام القمع والكبت السابق ،فتمدّد الخطاب الثقافي والسياسي لها من مستوى رفع الغبن والظلم الذي مارسته حقب وانظمة حكم سابقه وتصحيح المعادلة السياسية والأجتماعية السابقة ،الى مستويات أبعد من ذلك لا تتحملها المرحلة ولا تتناسب مع درجة وعي القواعد الشعبية

ويُمكن تحديد الجهات التي بادرت أو أنجرّت لتلك الانماط من الخطاب الثقافي الطائفي بما يلي:

  • قنوات اعلامية معروفة
  • شخصيات سياسية عراقية صعدت الى السطح السياسي بعد التغيير ،وأيضاً شخصيات وقوى عراقية معروفة
  • طبقة سياسيين ومحلّلين أصبحت بمثابة الضيف المزمن على بعض الفضائيات العربية وجلّ عناصرها من وسط النظام السابق في العراق
  • مراكز بحث ودوائر قرار سياسية وأمنية دولية
  • حكام ومسؤولون عرب (مثل أطروحة الهلال الشيعي التي طرحها العاهل الاردني ... الخ)

قبل دراسة وتحليل هذه الظواهر والمؤشرات ودلالاتها نود أن يراجع القارئ ثلاث دراسات كتبناها ونشرناها قبل سنوات (موثّقة تواريخها) ذات صلة بالموضوع ،ومن بعد قراءتها سنقوم بتثبيت بعض الاستنتاجات وضمن حدود محور الملتقى (أي تأثير الخطاب الثقافي على المصالحة الوطنية):

  1. الدراسة الاولى: بعنوان / المشكلات الطائفية والخيار الديمقراطي / منشورة في العدد الثاني من مجلة المعهد الصادرة عن معهد الدراسات العربية والاسلامية في لندن كانون الثاني 2000
  2. الدراسة الثانية: بعنوان / نقد المعيار الطائفي في تفسير الازمة العراقية وفي وضع الحلول لها / وكانت فصلاً في كتاب بعنوان – الدكتاتورية والانتفاضة – كتبناه في التسعينات من القرن الماضي وصدر في لندن عن دار الرافد عام 1998
  3. الدراسة الثالثة :بعنوان / التعايش .. تجارب الآخرين والدروس / وهي دراسة تم نشرها في العدد الثالث من مجلة المعهد / لندن / تشرين الأول 2001 تحت عنوان (الجالية العربية في الغرب وإشكالية المواطنة)

البحث الأول: المشكلات الطائفية والخيار الديمقراطي

لا خيار أمام العاملين بإخلاص وصدق من اجل استقلال العراق وحريته وازدهار شعبه واحترام حقوق الإنسان سوى الحوار والتفاهم والتعاون مهما كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية والحزبية، فالمأساة عظيمة والظروف المحيطة بقضيتنا صعبة ومعقدة وقطرة الدم التي حرم الله سفكها تحولت في العراق إلى انهار جارية وصراخ الأيتام وآهات الثكلى وأنات المعذبين هي وحدها تملأ الآذان في العراق. والحوار لا يعطي نتيجته المرجوة ألا إذا اعتمد المتحاورون المنهج العلمي المعروف بعيداً عن العواطف والعصبيات والحساسيات المزاجية.

وفي وطننا مشكلات طائفية راسخة الجذور منذ عشرات السنين، بل وقامت العديد من الأنظمة الحاكمة وقام بعض حكام العراق بحماية وضمان ودوام تلك المشكلات وتأجيجها من خلال مؤسسات وتشريعات مقنعة ومن خلال نتاجات فكرية تقوم على تزوير التاريخ وكذلك من خلال إشاعة قيم ومفاهيم بالية تقوم على إحياء العصبيات المقيتة بين أبناء بعض الأقليات الاثنية لاستقطابها كقاعدة للنظام الدكتاتوري ولتأجيج صراعات جانبية بينها وبين الأغلبية الشعبية بالرغم من آن جرائم النظام شملت كل شرائح وأوساط الشعب.

وتكاملت سياسات النظام الطائفية وللأسف مع بعض التوجهات الإقليمية والغربية السلبية تجاه شيعة العراق انطلاقاً من قناعات خاطئة ومن تجارب خارج الساحة العراقية.

لا نقصد بالمشكلة الطائفية في العراق، وجود صراع شيعي سني (كما يريد البعض تصويره) فالشيعة والسنة من أبناء الشعب عاشوا تاريخاً وواقعاً مشتركاً وتعايشوا سوية في المدارس والجامعات ومحلات المدن المختلفة وأسواقها وفي الأحزاب السياسية وفي الدوائر الحكومية والشركات الخاصة وساهموا معاً في صنع الأحداث الكبرى في الوطن، وما هو موجود بين اتباع المذاهب السنية والشيعية من اختلافات وحساسيات ومشكلات هي حالة طبيعية ويوجد اكثر منها بين المذاهب النصرانية وكذلك بين اتباع المذاهب اليهودية المختلفة، وحتى أن تاريخ العديد من الحروب الدموية القديمة في أوربا يشير إلى وجود جذور صراعات مذهبية.

ولكن نقصد بالمشكلة الطائفية: هي إن القوة الاستعمارية التي زرعت المشروع السياسي الغربي في العراق قبل اكثر من ثمانين سنة وكذلك أنظمة الحكم التي لم تخرج في مجملها (باستثناء سنوات حكم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم) عن الخطوط العامة لأساسيات المشروع الغربي ،وضعت سياساتها وخططها على أساس تهميش دور الأغلبية الشعبية وبناء نظام الأقلية العشائرية المتمترس بالأغطية الطائفية وذلك لاسباب سياسية بحتة لا علاقة لها بالدين والمذهب ،وسوف نأتي على تفصيلها في البحث.

العديد من الباحثين المحايدين وكذلك العديد من قادة وكوادر وأعضاء الحركات السياسية العراقية أقر بوجود مشكلة طائفية سياسية حادة في العراق.

يمكن ملاحظة مصاديق رسوخ تلك المشكلة بوضوح في تركيبة ومؤسسات الحكم وفي مناهج التربية والتعليم وتركيبة المستويات القيادية في حزب السلطة وفي المؤسسات الوطنية كالجيش بل وحتى في النظرية السياسية والمنظومة الثقافية التي تعتمدها السلطة الحاكمة في بغداد.

للأسف الشديد تقوم شخصيات ومراكز قوى محسوبة على المعارضة العراقية في هذه الفترة بتبني الكثير من مفاهيم ومواقف النظام الدكتاتوري الطائفي في العراق (أي النظام السابق)، وتتحرك بصورة تساهم في تمزيق وحدة الكفاح الشعبي العراقي وتخدم مصالح نظام صدام ومصالح دوائر إقليمية غير مهتمة بمصالح العراق والعراقيين.

الأخطر من ذلك كله أن نجد اصطفافاً يجمع عناصر محسوبة على المعارضة العراقية (الدينية والعلمانية) ويجمع مسؤولي أجهزة إقليمية وكذلك سياسيين ودوائر قرار أمريكية .. يجمعهم كلهم (بالرغم من اختلافهم في اكثر القضايا) في العمل من اجل منع آن يكون للأغلبية الشعبية في العراق دورهم المشروع والطبيعي في واقع ومستقبل وطنهم .. كل ذلك من خلال تنظيرات تختلف في أساليب ومحتوى الطرح ولكنها تنتهي ويا للغرابة إلى نفس النتيجة (نستعرض في البحث أمثلة عملية على ذلك).

نعتقد بان اعتماد الخيار الديمقراطي (كآلية في الحكم وفي تنظيم دور الشعب وفي تداول القوى السياسية للسلطة .. أو بمعنى لكل مواطن صوت انتخابي...)، هو الحل الأكثر جذرية للمشكلات الطائفية في العراق.

مدخـل:

ربما يكون مناسباً استخدام مصطلح (المذهبية) بدلاً من (الطائفية) للإشارة إلى المسألة السنية- الشيعية آو مشكلة الاضطهاد السلطوي المنظم لشيعة العراق، ألا أن شيوع المصطلح الثاني في اغلب الدراسات الخاصة بهذا الموضوع تجعلنا نستبعد مصطلح (المذهبية) بالرغم من انطباقه بدقة على طبيعة الموضوع، كما أن (الطائفية) تُستخدم في الكثير من الدراسات للإشارة إلى الصراع الإسلامي المسيحي.

في العراق مشكلات طائفية راسخة الجذور منذ عشرات السنين ولا تقل خطورة عن مشكلات الاضطهاد القومي التي مارستها أنظمة الحكم المتلاحقة بحق الاخوة الكرد والتركمان وحتى الآشوريين بالرغم من إن الاضطهاد الطائفي كان إحدى سمات الحكم العثماني للعراق ،ألا إننا نهتم في هذا البحث بالفترة التي بدأت بولادة الدولة العراقية الحديثة في العشرينيات من هذا القرن. (راجع كتاب: تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني – عبد الرزاق الهلالي ،بغداد 1959،ص43).

أشار العديد من الباحثين المحايدين وكذلك مسؤولين سابقين في الدولة العراقية وشخصيات وجماعات عراقية معارضة متنوعة إلى هذه الظاهرة، ومع وجود تباين في تحديد أسبابها وعمق رسوخها في الواقع العراقي وربما في تعريفها .. إلا أن اغلب تلك الجهات أكدت وجودها وخطورتها في الواقع والمستقبل العراقي.

نقرأ في خلاصة كتاب الدكتور عبد الله فهد النفيسي فيما يتعلق بتحليل وتقييم مسألة الشيعة والسياسة البريطانية: أن هذه السياسة كانت تقوم على إقصاء جميع الشيعة عن المناصب الرفيعة المسؤولة. وان الأجهزة الاستخبارية البريطانية كانت تتوقع إن تؤدي هذه السياسة إلى الإيقاع بين الطائفتين وخلق حالة من سوء التفاهم (راجع الصفحات من 199 – 201، المصدر رقم 1) وكتب شاعر العراق والعرب الكبير محمد مهدي الجواهري في الجزء الأول من ذكرياته المنشورة. كلاماً يشير فيه إلى طائفية بعض من تقلدوا وظائف خطيرة في الدولة العراقية الحديثة (مثل ساطع الحصري) (راجع الصفحات 167 – 171، المصدر رقم 2).

وقام عبد الكريم الازري السياسي العراقي المخضرم بتحليل العوامل الطائفية والعنصرية في تعطيل الحكم الديمقراطي في العراق واشار إلى الحلول الضرورية للتغلب عليها، حيث بحث كيف إن الذين تداولوا الحكم بعد وفاة فيصل الأول أهملوا وصيته وتجاهلوا وجود المشكلة الطائفية وكيف تتحكم في مقدرات البلد أقلية حاكمة مسيطرة تخاف على مراكزها وسلطتها من الديمقراطية الليبرالية، واشار إلى طائفية بعض الشخصيات السياسية التي لعبت دوراً في أنظمة الحكم التي تعاقبت على الحكم في العراق (راجع الصفحات 1- 9 كذلك الصفحات 383 – 390، المصدر رقم 3).

ويتطرق الكاتب في نفس المصدر إلى مصاديق السياسة الطائفية في المؤسسة العسكرية والأمنية والتي كانت تنفيذاً لسياسة يبدو إنها كانت مرسومة من قبل الفئة الحاكمة وبتأييد من الجهة البريطانية التي كانت تؤيدها، مثلاً تخرج من الكلية العسكرية خلال دورات (1932 – 1941) ألف وعشرة ضباط عسكريين وبلغ عدد الضباط العسكريين الذين تخرجوا من نفس الكلية ما بين (1941 – 1970) خمسة آلاف ضابط عسكري وبالإمكان معرفة تركيبهم الطائفي والاثني من قراءة الارادات الملكية في العهد الملكي والمراسيم الجمهورية في العهد الملكي التي كانت تصدر بأسمائهم والتي كانت تنشر في جريدة الوقائع العراقية وهي الجريدة الرسمية للحكومة العراقية ومنها سيتبين إن نسبة الضباط الشيعة بينهم ضئيلة جداً. وأهم التطورات في المؤسسة العسكرية هي التي حدثت بعد سنة 1970 عندما قررت وزارة الدفاع الامتناع عن نشر المراسيم الجمهورية بتعيين الضباط المتخرجين من الكلية العسكرية وغيرها من كليات القوات المسلحة العراقية في الوقائع العراقية لأن الفئة التي استولت على الحكم وقتئذ كانت عازمة على أجراء تغييرات أساسية جوهرية في الجيش العراقي والقوات المسلحة العراقية الأخرى ولم تكن تريد الكشف عنها.

كما اشار الصحفي والكاتب العراقي حسن العلوي. إلى مختلف إبعاد جذور ومصاديق الاضطهاد السلطوي المنظم لشيعة العراق، فبعد إن درس تاريخ وجغرافية التشيع والشيعة في العراق، اشار إلى تناقض الحكومات العراقية المختلفة التي رفعت شعارات القومية العربية عندما حاول نزع صفة العروبة من سكان الفرات الاوسط والجنوب في العراق لاسباب سياسية ومن خلال المعيار الطائفي، بالرغم من إن العلماء والمجتهدين وعموم الشيعة كانوا يتعاملون مع الأحداث السياسية من منظور وطني وقومي واسلامي وليس طائفي.

ثم استعرض أسماء رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على السلطة في العراق وعدد المرات التي تولوا فيها رئاسة الوزارة، حيث لاحظ إن من مجموع مدة (68 عاماً) أشغل رئاسة الوزراء خمسة رجال شيعة لمدة اقل من ثلاث سنوات ومن بين (59) وزارة في العهد الملكي الف رؤساء وزراء شيعة الوزارة خمس مرات . إما في العهد الجمهوري ما بين عامي (1958 – 1988) فقد اشغل رئاسة الوزراء رجل شيعي مرة واحدة ولمدة عشرة شهور خلال ثلاثين عاماً، وان سبباً ما كان غير طبيعي أو مقصوداً لمهمة خاصة او مأزق سياسي يدور دائماً حول تكليف هؤلاء الشيعة الخمسة الذين شكلوا رئاسة الوزارة في تاريخ العراق الحديث. بل ولاحظ ان سياسة الاضطهاد الطائفي لم تكن بعيدة عن قرارات نظام عبد السلام عارف الخاصة بتأميم التجارتين الداخلية والخارجية عام 1964. ومع كل ذلك يشير الكاتب إلى ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل فيقول: عندما ترسوا السلطة على مذهب يصبح طبيعياً ان ترسوا المعارضة على المذهب الآخر، لكن هذا لم يحصل للأسباب التالية:

  1. ان زعماء واتباع المذهب المحكوم رفضوا على ما يظهر معالجة التمذهب بالتمذهب والطائفية بالطائفية
  2. كان زعماء الشيعة في مطلع تأسيس الدولة هم زعماء الحركة الوطنية على الأغلب
  3. نجاح زعماء السلطة بالالتفاف على زعماء الشيعة والاستعانة بهم في الظروف التي يتحول فيها زعماء السلطة إلى المعارضة
  4. وافق زعماء شيعة بارزون ،لا ان يكونوا في المواقع الأخيرة من التشكيل الحكومي فحسب وانما ايضاً في مواقع الزعامة الثانية بتنظيمات المعارضة

إضافة لاسباب أخرى من قبيل الاستسلام للأمر الواقع والتصرف كأبناء اقليات صغيرة وغيرها..

يضيف الكاتب: ان الطائفية القديمة كانت عفوية ونزيهة في معظم حالاتها، تلتصق بالطريقة التي يختارها المسلم لاداء واجباته الدينية ،بينما تنحدر الطائفية العراقية الحديثة من تيار سياسي واجتماعي بعيد عن آية صلة فكرية او دينية بخلاف المذاهب المعروف، ولعل الطائفية العراقية هي الظاهرة الاجتماعية الوحيدة التي استقرت في نظام سياسي يفتقر إلى الكثير من التقاليد المستقرة. وللطائفية العراقية وجود قوي لكن الإعلان عنها عند الفريقين ظل بعيداً عن التناول..

ان نفي وجود الطائفية يأتي من عدة مصادر، فالسلطة والعاملون في تمذهب الدولة بضمنهم الجناح المعارض ايضاً سيكونون في مأزق حاد، من أي نشاط ديمقراطي يثير مشكلة التمثيل السياسي في السلطة..

ثم ينقل الكاتب نص مشروع القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي: في هذه الظروف نرى ان موقف التجاهل وإغماض العيون الذي سارت عليه الحركة الوطنية في العراق إزاء النظام الطائفي هو موقف يتهاون بمستقبل البلاد ويفرط بمصير الثورة الوطنية سيما وان بلادنا تتعرض اليوم لافدح الأخطار والدسائس الدولة. لذلك نرى من الواجب مواجهة حقيقة النظام الطائفي وكشف الستار عن مقوماته الاجتماعية وأصوله التاريخية وارتباطه بالإطماع الأجنبية عبر العصور.. (راجع الصفحات 33 – 290، المصدر رقم 4).

أما الدكتور سعيد السامرائي فقد أجاب في كتابه على السؤال: هل في العراق مشكلة طائفية؟ ثم استعرض طائفية الدولة العراقية وطائفية المجتمع والافراد . ثم أجاب على سؤال: هل الطائفية نتاج الاستعمار الغربي أم سببها صراع المسلمين السياسي في الماضي؟ ثم اقترح مجموعة من الحلول واشار إلى الدور الخاص للإسلاميين السنة والشيعة (راجع المصدر رقم 5).

بينما تطرق الباحث اسحق نقاش، وهو أكاديمي أمريكي يهودي من اصل عراقي، في كتابة إلى ازدياد سياسات الاضطهاد الطائفي في العراق ضد الشيعة بعد حرب تحرير الكويت وبعد توقف الانتفاضة الشعبية (آذار 1991)، يقول الباحث: زادت سياسات الحكومة العراقية بعد حرب الخليج في الحد من النشاط الديني في كربلاء والنجف وأضعفت نسيج الثقافة الشيعية والمجتمع الشيعي في العراق، ونقل عن تقرير قدمه مقرر لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (ماكس فان ديرشتويل) ان مكتبات تحوي مخطوطات تشكّل جزءاً من التقاليد الإسلامية قد دُمّرت عن عمد وان بضعة آلاف من طلبة العلوم الدينية ورجال الدين قد انخفض الى مئات والأغلبية اختفت، كما يشكك الباحث بالدافع من قيام النظام بانجاز مشروع تحويل مجرى نهر الفرات ويحتمل ان دوافع صدام هي أضعاف الصلة بين المدينتين المقدستين (كربلاء والنجف) وسكان الريف الشيعة، وهو المشروع الذي وصفه مراقب حقوق الإنسان بكونه (جريمة القرن بحق البيئة). ثم يشير الباحث الى تقارير أوردتها وسائل الإعلام بأن مسؤولي الإدارة الأمريكية وصنّاع سياستها أدركوا ان الشيعة عراقيون أولا وليسوا انفصاليين، وكانت لحظة التجلي هذه تعكس ما وصفه المسؤولون بأنه فهم أفضل لمن يكون حقاً الشيعة في جنوب العراق: انهم بشر مضطهدون وليس بالضرورة نُذُر دولة إسلامية راديكالية ستتحالف مع إيران، ويطرح الانقلاب الذي أحيط بدعاية واسعة في الموقف من الشيعة العراقيين تحديات جديدة ليس على الولايات المتحدة وحلفائها فحسب بل وعلى المواطنين في العراق فضلاً عن فصائل المعارضة في الخارج. هل يعكس هذا التطور مجرد تغيير في التكتيك لإضعاف صدام أم انه ايضاً مؤشر على وجود استعداد صادق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لإعادة النظر في افتراضات سياسية ثابتة منذ زمن طويل حول طبيعة الحكم في العراق؟ ان مهمة التعامل مع هذا السؤال الصعب وتفرعات احتمالاته المعقدة تُركت للإدارة الأمريكية الجديدة (إدارة كلنتون) (راجع الصفحات 510-514، المصدر رقم 6).

أما جراهام فولر الباحث الأمريكي فيتطرق الى المشكلة الطائفية في العراق في العديد من فقرات وفصول كتابه، يشير مثلاً: انه إذا هدد الأكراد وحدة الأراضي العراقية فإن الشيعة العراقيين هم الذين سيشكلون الخطر الأكبر على الاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة

فالشيعة ناقمون ومستاؤون الى ابعد الحدود وهم مُبعدون ومنبوذون بفعل إقصائهم المنظم والمدروس عن السلطة في بغداد على الرغم من انهم يُشكّلون الأكثرية الغالبة من سكان البلاد.

لكن الشيعة لا يريدون الانفصال عن العراق، بخلاف المخاوف القائمة في عدد من الدوائر السياسية، بل يطمحون الى ان يكون لهم صوت مسموع ومؤثر يتناسب مع وضعهم كأغلبية في العراق. وأي تحرك تدريجي نحو تحقيق الديمقراطية مستقبلاً لن يؤدي ألا الى تغيير موقفهم والى وضع حد لاحتكار السلطة السياسية والاجتماعية من قبل أقلية .. كما ان أي عملية تحول ديمقراطي في العراق ستؤدي الى خلخلة دعائم استقرار النظام السياسي والاجتماعي التقليدي، الى إن يتم التوصل إلى تحقيق توازن جديد أكثر ديمقراطية ولا سبيل لمنع هذه العملية ألا إذا كان الثمن استمرار الديكتاتورية والممارسات القمعية التي تُرتكب بحق كل العراقيين. (راجع الصفحات 10 – 78، المصدر رقم 7).

الباحث د. فرهاد إبراهيم اشار الى المشكلة الطائفية التي قال إنها تحولت الى مشكلة سياسية في المجتمعات العربية متعددة ألا ثنيات والطوائف من خلال عملية التطور التاريخي بعد قيام الدول الجديدة، وفي دراسته الخاصة عن النموذج العراقي اشار الى انه بعد وفاة فيصل الأول والصراع على السلطة الذي أعقب وفاته حصلت أزمة شديدة في البلاد، وفي ظل تلك الأزمة أزيح الشيعة بعيداً عن الساحة بدرجة اكبر (راجع الصفحات 454 – 462، المصدر رقم 8).

كما اشار محمد حسنين هيكل (الصحفي والسياسي المصري المعروف) الى نفس المشكلة في كتابة عن حرب الخليج، يقول هيكل: ان شيعة العالم العربي وهم يتمركزون بالدرجة الأولى في شريط يمتد من جنوب العراق الى جنوب الجزيرة العربية قاموا بأدوار بارزة في تاريخ القومية العربية، لكن بعض المؤسسات الرسمية للفكر السني لم تستطع في كثير من الأحيان تقدير هذا الدور، وقد راحت هذه المؤسسات تخلط مرات كثيرة مفترضة وجود خلافات اعمق بين المذاهب الإسلامية، وبدلاً من ان تحاول مؤسسات السنة الواثقة من نفسها بحكم أغلبيتها الساحقة في العالم العربي تقريب الخلافات بين المذاهب، فأنها – واعية او غير واعية – راحت تزيد الفجوة غير مدركة أنها بذلك تفتح ثغرات لا داعي لها في الجسم العربي .. كانت بعض قيادات السنة تبالغ في الخلاف بين المذاهب وتضع على حساب مجمل التراث الشيعي شوائب لحقت بأطرافه (وهو أمر طبيعي في كل مذهب ديني) ثم إنها بطريقة عشوائية أضافت الشيعة على حساب الخلاف العربي – الفارسي.(راجع الصفحات 568 – 575، المصدر رقم 9).

وعلى صعيد المعارضة العراقية جاء في البيان التأسيسي للجنة العمل المشترك لقوى المعارضة العراقية (وكانت تضم آنذاك كل قوى المعارضة العراقية المعروفة والأساسية) الصادر بتاريخ 27/12/1990 ما يلي بخصوص المشكلة الطائفية (.. عبر انتهاج النظام لسياسة التمييز القومي والطائفي والسياسي .. مما أوقع البلاد في أزمة خانقة ..)

وجاء ايضاً ضمن أهداف اللجنة (.. الغاء سياسة التمييز الطائفي ضد الغالبية من أبناء الشعب العراقي التي استخدمت لضرب بعضه البعض الآخر ..). (راجع الفصل الخاص بالوثائق في المصدر رقم 10).

كما جاء في وثائق المؤتمر الوطني العراقي (وهو إطار المعارضة العراقية المشترك الذي ضم اغلب شخصيات وقوى المعارضة عند تأسيسه عام 1992 ولازال خطابه السياسي هو السائد في أوساط المعارضة) بخصوص المشكلة الطائفية في العراق. جاء في التقرير السياسي ما يلي:

تجسدت الحملة الطائفية السافرة للنظام خلال الانتفاضة من خلال الأساليب الفاشية التي استخدمت لقمعها وبخاصة في الوسط والجنوب العربيين ومن خلال الهجوم الإعلامي المكثّف والمسعور ضد المسلمين الشيعة .. بهدف تأجيج الكراهية وتغذية الضغينة وإثارة الحقد لدق الأسافين بينهم وبين إخوانهم المسلمين السنة الذين لم يكونوا بمنجى عن الظلم والاضطهاد.

كما جاء في البيان الختامي: .. إقامة نظام دستوري برلماني ديمقراطي تعددي يلغي التمييز العنصري الشوفيني والطائفي .. واكد المؤتمر على أهمية اعتماد مفهوم سليم للمواطنة العراقية .. وسن قانون جديد للجنسية يؤكد الحقوق المتساوية لكل المواطنين ويأخذ بالمبادئ العصرية لمنح الجنسية وإعادة الجنسية لمن سُحبت منه ويلغي الإجراءات الغريبة والشاذة .. (راجع وثائق المؤتمر، المصدر رقم 11).

انتهى استعرا ضنا لبعض ما تم نشره سابقاً عن المشكلة الطائفية في العراق.

مفهومنا عن المشكلة الطائفية في العراق:

لابد من توضيح مفهومنا عن المشكلة الطائفية حتى لا نقع في إشكالية تعدد الإفهام للمشكلة الواحدة. لا نقصد بالمشكلة الطائفية وجود صراع سني – شيعي في العراق، مع علمنا بوجود اختلافات غير قليلة بين مختلف المذاهب الإسلامية، وهو أمر طبيعي بل ان هناك اختلافات داخل نفس المذاهب السنية، وهناك اختلاف ضمن حدود معينة بين المدارس الاجتهادية الشيعية المختلفة.. وتوجد اختلافات وصراعات بين المذاهب النصرانية المخلفة (كالكاثوليك والبروتستانت وغيرها) وهكذا بين المذاهب اليهودية، ولا تختص هذه الظاهرة ببلد دون آخر.كما نعلم بأنه كانت هناك صراعات حادة احياناً بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة في التاريخ البعيد والمتوسط، ولكنها كانت في معظمها توظيفاً سياسياً من قبل الحكومات (أو من قبل قوى خارجية) للاختلافات الفكرية وللمزاج النفسي العام لأتباع المذاهب المختلفة.

ومثال صراع الدولتين الصفوية والعثمانية على النفوذ في العراق واضح في دلالته على ما اشرنا اليه. ويجب ان لا ننسى ان أوربا شهدت في تاريخها مذابح وحروب دموية فظيعة بين أبناء أتباع المذاهب النصرانية المختلفة والتي كانت ايضاً في حقيقتها تعبيراً عن صراعات سياسية بين حكام وإمارات قائمة آنذاك.

وإنما نقصد بالمشكلة الطائفية في العراق: ان المشروع السياسي الذي بناه وأسسه المستعمر الغربي (بعد فشل ثورة العشرين الوطنية الإسلامية) والتزمت اغلب الحكومات التي تعاقبت على الحكم في العراق بأساسياته وتوجهاته – باستثناء فترات قصيرة مثل فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله – هذا المشروع خطط وتابع لتحقيق هدف إقصاء الأغلبية الشعبية في العراق عن التأثير في الحياة السياسية وفي تحديد واقع ومستقبل الوطن .. واعتمد تزوير التاريخ والثقافة وسن التشريعات التي تقنن التمييز الطائفي ومارس التحريض السياسي الداخلي والخارجي ضد الأغلبية في الوطن، ووظف العلاقات الإقليمية والدولية لذلك من خلال إثارة مخاوف بعض الحكومات المجاورة التي تعيش في بلدانها أقليات تنسجم مذهبياً مع الأغلبية الشعبية في العراق او من خلال رفع شعار تهديد الأغلبية الشعبية العراقية للامن القومي العربي ..!؟

ذلك المشروع قام بالمحافظة على القيم والمفاهيم المتخلفة التي تعيشها أوساط متخلفة وانعزالية بعيدة عن مراكز العمران والثقافة في الوطن ووفر لها امتيازات مادية وسياسية ومعنوية لضمان بقاء قدرته على تأجيج الصراعات المذهبية ولضمان معين لا ينضب من الرجال والقوى الحاقدة طائفياً لتوظيفها سياسياً وعسكرياً عند اللزوم.

من هنا فأن إعلان الانتماء لطائفة ليس مظهراً للمشكلة الطائفية وانما حق آنساني لكل فرد وكذلك فان طرح المشكلة سياسياً واعلامياً باتجاه المطالبة بحلها بصورة عادلة ليس تأجيجاً للطائفية بل العكس هو الصحيح.

وهكذا فإن مطالبة رموز وقيادات الحركة المعارضة بحل المشكلة الطائفية ليس انجراراً لسياسة طائفية كما يريد أبناء مدرسة الإرهاب الفكري تخويف تلك القيادات به، بل تعمّد تجاهل الواقع المأساوي هو مساهمة في تكريس المشكلة وضمان لاستمرارها واستمرار التزييف في الشعب والوطن.

أما لماذا استبعاد الأغلبية الشعبية؟

الجواب يرتبط بالسياسة الاستعمارية التي غالباً ما تنطلق من خطط بعيدة المدى ومن وعي بجذور الخطر الذي يهدد المصالح الاستعمارية على المدى المتوسط والبعيد، بكلمة أخرى:

  1. ان بناء نظام حكم الأقلية (أقلية عشائرية كانت ام حزبية ام طائفية ام غيرها) يؤدي الى جعل الحكومات بحاجة دائمة الى دعم القوى الخارجية لمواجهة او لمعالجة أزمتها الأساسية المتمثلة بافتقاد القاعدة الشعبية داخل أوطانها
  2. استبعاد الأغلبية يؤدي الى بروز مشكلات وصراعات وحساسيات داخل المجتمع الواحد وداخل الوطن الواحد، وبالتالي تصبح هذه السياسة وسيلة جيدة لإلهاء الجماهير بصراعات جانبية تشغلها عن الصراع الحقيقي
  3. استبعاد قطاعات شعبية واسعة من المشاركة في الحكم وفي فعاليات المجتمع المدني، يؤدي بالضرورة الى منع تكامل عناصر استقلال البلاد ومنع تطوره وازدهاره وهذا بدوره يؤدي الى خلق بؤرة توتر مزمنة تساهم في عدم استقرار المنطقة
  4. استبعاد الأغلبية يؤدي بالضرورة إلى استقطاب الأقليات والمجموعات الانعزالية وهو ما يضمن للدكتاتوريات معيناً لا ينضب من العناصر التي تمسك الأجهزة القمعية والعسكرية اللازمة لاستمرارها، وتستمر الدكتاتورية في العزف على وتر تخويف الأقلية من هيمنة الأغلبية المحتملة لدفعها للالتصاق بدرجة اكبر بالنظام الحاكم وللدفاع عنه عند تعرضه للأخطار .. كما تستعين بهذه الصورة عندما تشتد الكفاح الشعبي العام ضد السلطة، للإيحاء بوجود صراعات داخلية وبذور حرب أهلية إذا زال النظام ولتخريب وحدة ذلك الكفاح الشعبي
  5. شخّصت الدوائر الاستعمارية وفي وقت مبكر نقاط القوة التي تتميز بها الحالة الشيعية مثل الارتباط بالمرجعية والانقياد لها ودور الشعائر الحسينية في التعبئة السياسية .. وصرامة الأحكام الشرعية ضد الحكومات الظالمة

عمق المشكلة الطائفية في العراق:

ربما تكفي مشاعر الملايين من العراقيين الذين يشعرون بالمظلومية للدلالة على حجم المشكلة، ولكن دعونا نتعرف على مقاييس أخرى يُمكن بواسطتها التعرف على عمق المشكلة، وأهمها:

  1. نكتشف الحجم الخطير عندما ندرس مدى تناسب نسبة أبناء المذاهب المختلفة الذين يشغلون المواقع الأساسية والعليا في المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية والمؤسسة الحزبية الحاكمة مع نسبتهم الى مجموع السكان
  2. كما تكتشفها عندما ندرس طبيعة مناهج التربية والتعليم ومصادرها من رياض الأطفال وحتى الجامعات، وخاصة في مجال التاريخ والقانون والعقائد الدينية وما يتعلق بها، حيث نكتشف ان واضعي هذه المناهج شطبوا وبالكامل على مصادر هذه المواضيع عند مذهب الأغلبية وجعلوا النظام (الذي يرفع شعارات العلمانية والثورية) منحازاً بشكل مطلق الى اتجاه مذهبي محدد لا يمثل الأكثرية الشعبية في البلد
  3. وهكذا اذا درسنا درجة عناية السلطة (المركز) بمدن ومناطق البلاد المختلفة، حيث سنلحظ عدم غياب البعد الطائفي في تحديد السلطة لدرجة عنايتها بالمناطق المختلفة . وليس غريباً ما بدأنا بسمعه منذ توقف الانتفاضة الشعبية (آذار 1991) عن تصنيف السلطة لمحافظات سوداء والمقصود فيها اغلب محافظات الفرات الاوسط والجنوب التي ساهمت بنشاط في الانتفاضة الشعبية (آذار 1991) وأخرى تُسمى بالمحافظات البيضاء .. وإن كانت غالبية المحافظات (ربما باستثناء تكريت) في الوقت الراهن هي بنظر السلطة محافظات سوداء لاتساع المقاومة فيها
  4. كما يمكن التوصل إلى استنتاجات مشابهة اذا قمنا بدراسة مدى تناسب مراكز القوى في حقل التجارة والاقتصاد مع التنوع المذهبي والقومي في المجتمع، بمعنى ان الدولة قامت وبتخطيط مدروس بإتاحة فرص وامتيازات استثنائية للأوساط العشائرية المرتبطة بقمة السلطة والحيلولة دون تمتع أبناء الأغلبية الشعبية بمثل تلك الفرص والامتيازات، بالضبط كما قام نظام عبد السلام عارف – الذي كان يكره القيم الاشتراكية حتى العظم- باستغلال شعارات الاشتراكية والتأميم فاصدر قرارات تأميم التجارة الداخلية والخارجية ليقضي على فئة التجار الذين كان اغلبهم من أبناء الأكثرية الشعبية.. ثم وبمرور الزمن لاحظنا نشوء طبقة بديلة لتلك الفئة ولكن اغلب رموزها من أبناء قرى ومدن الاقلية العشائرية الطائفية الحاكمة

أي ان الحكومات المتعاقبة قامت بتغيير تركيبة الطبقة التي تمتلك مفاتيح القوة الاقتصادية (وكما هو معروف القوة الاقتصادية هي في واقعها قوة سياسية) وذلك من منطلقات طائفية.

نقد المعيار الطائفي في تفسير الأزمة العراقية وفي وضع الحلول لها:

تثير العديد من المقولات والأبحاث السياسية المعاصرة عن العراق (ازدادت بعد غزو الكويت) نظرات وآراء ومصطلحات تخلق الانطباع بأن مشكلة العراق الجوهرية تتمثل بالصراع الطائفي بين السنة والشيعة. وان المشكلة هي تسلط أقلية سنية على أغلبية العراق الشيعية او مشكلة التمدد الشيعي الإيراني على حساب الكيان السياسي العراقي او على حساب الأمن القومي العربي.. الخ.

بخلاف ما يتوقعه الكثير، فإن التنظيمات العراقية المعارضة وخاصة الإسلامية (والشيعية) منها لم تكن البادئة بأستخدام تلك المصطلحات والآراء والنظريا، بل ولا تزال اغلب قوى المعارضة الإسلامية والوطنية ترفض اعتمادها والانطلاق منها في خطابها السياسي العام وفي تحديد برامجها وأهدافها وسياساتها. بالطبع لا يتنافى هذا التشخيص مع قيام شخصيات وقيادات عراقية وخلال حقب سياسية مختلفة بالمطالبة بإنصاف الشيعة العراقيين وإيقاف سياسات الاضطهاد الطائفي تجاههم لانهم جميعا كانوا يعتبرون السلطة (وليس السنة) هي المسؤولة عن هذا الاضطهاد ولأسباب سياسية وليست مذهبية..

نماذج لمناهج طائفية خطيرة في المرحلة الراهنة:

بالرغم من تبني اغلب القوى العاملة في ساحة التغيير لمبدأ الديمقراطية والانتخاب كوسيلة حضارية لمعالجة الأزمات السياسية خاصة في البلدان التي تدهورت فيها الأوضاع بشكل كبير ( كما هي الحال في الساحة العراقية)، ألا ان أطروحات طائفية خطيرة لا زال البعض يطرحها في مرحلتنا الراهنة لمنع دفع استحقاقات المراحل المنصرمة من الظلم وانتهاك الحقوق، ويمكننا استعراض بعض نماذج تلك الأطروحات الخطيرة بصورة موجزة وسريعة:

أولا- أطروحة حافظ الشيخ (كاتب من البحرين) وخلاصتها:"...ان وجود فرد او بضعة أفراد فحسب مثل التكريتي العربي السني.. في صف المعارضة العراقية اليوم إنما يرفد هذه المعارضة بشرعيتها الوطنية العريضة الشاملة وينفي عنها شبهات (الانفصال) او التقسيم (التقسيم) وهذا ما ينطبق على ابن تكريت ينطبق أيضا على ابن محافظة الرمادي.. وانطباقه كذلك على أي معارض عربي سني .. ومن جهة أخرى فان انتماء طائفة العرب السنة العراقيين إلى الأكثرية الثقافية للوطن العربي.. من شأنه ان يرفض أي مشروع للتغيير السياسي في العراقي لا يشارك فيه في المقدمة عرب العراق السنة.. ذلك ان وجود عرب العراق السنة في مقدمة مشروع التغيير السياسي الجذري للعراق من شأنه ان يطمئن دول الجوار العربي...الخ (راجع المصدر رقم 12).

ثانياً – أطروحة كنعان مكية (سياسية وكاتب عراقي)، وخلاصتها:".. ما ان بدأ الشيعة يصرّون على حقوقهم حتى أصبحوا كالأكراد يُهاجمون على أساس انهم شيعة... كلما عمل الشيعة العراقيون على فرض وتأكيد هويتهم الشيعية ازدادت في المقابل نزعة الأقلية السنية العراقية إلى ان تقاوم وبعنف وحتى النهاية... والاعتراف الهام الثاني هو إدراك الشيعة العراقيين ان مخاوف السنة صحيحة ومشروعة وينبغي على الجيل الجديد من القادة العراقيين ان يواجه سياسياً تلك المخاوف بصفتها ذروة الأولويات وينبغي كذلك إيجاد صيغ في الحكم تؤمن ضمانات صارمة ضد طغيان الأكثرية..." (راجع المصدر رقم 13).

ثالثاً – أطروحة بعض السياسيين والباحثين الأمريكان، ومن أهم نقاطها: "بالرغم من ان جيران صدام يريدون رحيله عن الحكم فقد كانوا يخشون ان يتفكك العراق.. ويستفيد منها الملالي في إيران الذين يصبحون قادرين على تصدير طبعتهم الخاصة من الأصولية الإسلامية بمعونة من الشيعة العراقيين.. لقد كان الشيعة يُنظر إليهم كحلفاء لإيران.." (راجع المصدر رقم 14).

"اذا هدد الأكراد وحدة الأراضي العراقية فان الشيعة العراقيون ناقمون ومستاؤون إلى ابعد الحدود.. ان أي عملية تحول ديمقراطي في العراق ستؤدي إلى خلخلة دعائم استقرار النظام السياسي والاجتماعي التقليدي، إلى ان يتم التوصل إلى تحقيق توازن جديد اكثر ديمقراطية. ولا سبيل لمنع هذه العملية، إلا اذا كان الثمن استمرار الديكتاتورية والممارسات القمعية التي ترتكب يحق كل العراقيين.." (راجع المصدر رقم 7).

رابعاً – أطروحة الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية العراقية المنشق عن النظام، وخلاصتها: "أصبحنا في حالة مجابهة مع الأمر الواقع، رتلان يهددان المنطقة الوسطى، رتل كردي من الشمال يحمل معه كل الام السنين الطوال، ورتل من التيار المتطرف من الجنوب ولم تكن لنا آية علاقة تفاهم مع أي من الركنين، وان نجاح الانتفاضة سيعني وفق ما نرى إبادة لعرب المنطقة الوسطى ولذلك اصبح الوقوف إلى جانب النظام الخيار الوحيد لفترة من الوقت.. (راجع المصدر رقم 15).

خامساً – أطروحات نظام صدام، ومنها ما نشرته صحيفة النظام في الأيام الأولى بعد توقف الانتفاضة الشعبية (آذار 1991) ومنها ما يصدر هذه الأيام عن بعض مسؤولي النظام، مثلاً ما ذكره وزير أعلام نظام صدام أخيراً: ".. ان الدول المعادية تحاول تغذية الطموحات الشيعية في الجنوب وتحاول إقناع الشيعية بأن لديهم فرصاً تاريخية لتأسيس دولة مهمة لن تكون مشمولة بالحصار في حال قيامها.." (راجع المصدر رقم 16).

بالطبع كل الاطروحات السابقة تريد تجاهل التفسير الصحيح للازمة في العراق والذي يشير إلى النظام الديكتاتوري والى سياسة الهيمنة الخارجية كسببين أساسيين للازمة. الغريب في الاطروحات السابقة إنها تختلف فيما بينها بالمصطلحات والطرح السياسي، ألا إنها تسعى لتحقيق هدف نهائي واحد وهو إقصاء الأغلبية العربية في العراق – بالطبع بعد محاولة تشويه سمعتها ودوافع تحركاتها السياسية – عن دورها الطبيعي في الوطن والسعي لتنظير عملية تأجيل او إلغاء الحلول الديمقراطية لأزمة الحكم ولمشكلة الشعب في العراق.. ولمديات غير محدودة..

تنطلق بعض تلك الاطروحات الطائفية من قضية الأسلوب الأفضل لتغيير نظام صدام.. وينطلق البعض الأخر من سياسة التخويف من النتائج المترتبة على التغيير الديمقراطي (من قبيل الحرب الأهلية والتقسيم وإلحاق الوطن بدولة مجاورة وإيجاد التوتر في المنطقة.. وتنطلق بعضها من التخويف من ديكتاتورية وطغيان ألا كثرية..)

وينطلق البعض الآخر من الحط والمبالغة في عدم تحضّر ورشد المجتمع العراقي وإبراز تركيبته الاثنية المتنوعة وكأنها حالة شاذة لا مثيل لها في العالم..او الطعن بوطنية واستقلالية شرائح وأوساط كبيرة من الأغلبية الشعبية وتهويل بعض المفاهيم العقائدية الخاصة بها..

او تهويل الفيتو الذي تضعه بعض الدوائر الغربية على تلك الأغلبية.. او تضخيم المواقف السلبية لبعض الدوائر الإقليمية من الأغلبية الشعبية.. مع ان المواقف السياسية قابلة للتغيير.. بحسب المصالح...

او إثارة قضية عدم توفر الشروط الموضوعية للحل الديمقراطي في العراق.. ولكن ويا للغرابة يتم اقتراح حلول تكرس حالة انعدام توفر الشروط وتمنع نموها مع مرور الزمن.

الآليات الديمقراطية كفيلة بمعالجة المشكلة الطائفية:

اذا أخذنا بالتعريفات المعاصرة المتداولة للـ(ديمقراطية): "الفهم السائد الآن للديمقراطية يركز على كونها أسلوبا لتنظيم علاقة السلطة بالمواطن، بما يتضمنه ذلك من حقوق وواجبات بحيث اصبح المضمون الجوهري لها هو اختيار الحاكمين ومراقبتهم".

الديمقراطية هي حق كل المواطنين بأن يكون لهم قسط في الحياة السياسية، أي حق كل المواطنين في التصويت والمشاركة في الحياة السياسية".

الديمقراطية تعني أساس المشاركة السياسية على أوسع نطاق لابناء الشعب وتكويناته الاجتماعية".

"راجع كتب: مستقبل الديمقراطية في العراق، محمد عبد الجبار كتاب الديمقراطية، دورثي بيكلس كتاب مفاهيم الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث، علي الدين هلال مسألة الديمقراطية والأوضاع الراهنة في الوطن العربي/ محمد عابد الجابري".

أما (موريس ديفرجيه) فيرى: "النظام الديمقراطي هو النظام الذي تقوم بموجبه أغلبية السكان باختيار الحكومة ويكون للأقلية حق التعبير والرأي وتكون جميع الاتجاهات والعقائد موضع احترام ويتساوى فيه جميع المواطنين".

مكونات الديمقراطية:

وهي الحرية: أي احترام الحريات المدنية والسياسية للمواطنين، المساواة: في بعديها السياسي والاجتماعي، المشاركة: بمعنى ان يكون القرار السياسي او السياسة التي تتبنّاها الدولة في محصلة وأفكار ومناقشات جمهرة المواطنين الذين سوف يتأثرون بهذا القرار او السياسة ويقوم هذا على مبدأ حق كل إنسان في المشاركة وإبداء الرأي في القرارات والسياسات التي سوف تؤثر عليه وعلى حياته.

أذن وفق التعريفات السابقة يكاد مفهوم الديمقراطية يعني منظومة آليات وانساق (من نسق) لضبط حركة الحياة السياسية وتفاعلاتها في المجتمع وضمان انسيابية وسلامة علاقة المجتمع المدني بالسلطة السياسية.

بالطبع يربط قيام مناخ ديمقراطي في العراق ارتباطاً عضوياً وشرطياً بـ:

  • أ- إسقاط النظام الحالي (تاريخ كتابة الدراسة – كانون الثاني 2000) وتدمير أجهزة القمع وإلغاء القوانين والإجراءات التي اعتمد عليها.
  • ب- ضمان مشاركة اكبر قاعدة شعبية ممكنة في عملية التغيير لضمان المحافظة على دور الشعب بعد التغيير وبالطبع مقدمة كل ذلك هو اعتماد الآليات الديمقراطية في بناء مؤسسات المعارضة وفي إدارة مسيرتها.

لا ننسى أننا نتحدث عن الديمقراطية في العراق، والإسلام هو العمود الفقري للمناخ الحضاري للمجتمع العراقي وان أصاب هذا المناخ كما يقول أحد الباحثين الكثير من الأمراض والعلل – فلا بد من مراعات علاقة العملية الديمقراطية بالإسلام من خلال مراعات القيم والأعراف الإسلامية الصحيحة، فالديمقراطية ليست بديلاً عن الهوية الحضارية الإسلامية للمجتمع العراقي، وقد عانى الشعب العراقي كثيراً من مضاعفات الانفصام بين المشروع السياسي وبين الهوية الحضارية.

وأخيراً يمكن الادعاء وبقوة بان الآليات الديمقراطية التي أشارت إليها التعريفات العملية التي استعرضناها كفيلة بمعالجة المشكلة الطائفية المزمنة في العراق.

المصـادر:

  1. د. عبد الله فهد النفيسي – دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث 1976، طباعة المطبعة المصرية، الكويت
  2. محمد مهدي الجواهري – ذكرياتي، الجزء الأول، دار الرافدين، الطبعة الأولى 1988
  3. عبد الكريم الازري – مشكلة الحكم في العراق، (لا يحمل الكتاب أي معلومات عن تاريخ ودار النشر)
  4. حسن العلوي – الشيعة والدولة القومية في العراق، فرنسا 1989
  5. د. سعيد السامرائي – الطائفية في العراق.. الواقع والحل، الطبعة الأولى 1993، مؤسسة الفجر، لندن
  6. د. إسحاق نقاش –شيعة العراق، ترجمة عبد الاله النعيمي، منشورات دار المدى، الطبعة الأولى 1992
  7. جراهام فولر – العراق في العقد المقبل.. هل سيقوى على البقاء حتى عام 2002؟ العدد 14 من سلسلة دراسات عالمية، مركز الأمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
  8. د. فرهاد إبراهيم – الطائفية والسياسة في العالم العربي (نموذج الشيعة في العراق)، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى 1996
  9. محمد حسنين هيكل – حرب الخليج، الناشر مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 1992
  10. اكرم الحكيم – الديكتاتورية والانتفاضة، مؤسسة الرافد، لندن، الطبعة الأولى 1998
  11. كتاب وثائق المؤتمر الوطني العراقي، فيينا 16-19 حزيران 1992
  12. حافظ الشيخ –العروة المفقودة بين قوى المعارضة العراقية تنتظر ان يملأ البطل العربي السني مكانه، صحيفة الشرق الاوسط، العدد الصادر بتاريخ 31/3/1992
  13. كنعان مكية –القسوة والصمت، دار الساقي، لندن/ الطبعة الأولى 1994
  14. جميس بيكر- الثورة والحرب والسلام 1989-1992، مذكرات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
  15. وفيق السامرائي –كتاب هزائم صدام، الطبعة الأولى، الكويت، دار القبس 1997
  16. تقرير صحفي بقلم بسام بدارين بعنوان: الشيعة يسعون لدولة مستقلة، صحيفة القدس العربي، الصفحة 3، العدد 3105 في 3/5/1999

البحث الثاني: نقد المعيار الطائفي في تفسير الأزمة العراقية وفي وضع الحلول لها

تسود الكثير من الكتابات السياسية المعاصرة عن العراق (ازدادت بعد غزو الكويت بدرجة كبيرة) ، نظرات وآراء ومصطلحات تخلق الانطباع بأن مشكلة العراق الجوهرية، تتمثل بالصراع الطائفي (أي السنّي الشيعي) او مشكلة تسلط أقلية سنيّة على أغلبية شيعية او مشكلة التمدد الشيعي الإيراني على حساب الكيان السياسي العراقي وعلى حساب الآمن القومي العربي ... الخ

بخلاف ما يتوقعه الكثير، لم تكن التنظيمات الإسلامية (فضلا عن التنظيمات القومية واليسارية) في الوسط الشيعي او الوسط السني في العراق، البادئة باستخدام تلك المصطلحات والآراء والنظرات، بل ولا تزال اغلب التنظيمات العراقية ان لم نقل كلها ترفض اعتمادها والانطلاق منها في خطابها السياسي العام وفي تحديد برامجها وأهدافها وسياساتها.

بالطبع لا يتنافى هذا التشخيص مع قيام شخصيات عراقية دينية او وطنية وخلال حقب سياسية مختلفة بالمطالبة بأنصاف الشيعة العراقيين وإيقاف سياسات الاضطهاد الطائفي تجاههم لانهم جميعا كانوا يعتبرون السلطة وليس السنّة هي المسؤولة عن هذا الاضطهاد ولاسباب سياسية وليست مذهبية.

مخطط السياسة الغربية تعاملوا مع قضايا العراق من خلال المعيار الطائفي، فحينما صمموا مشروعهم السياسي للعراق قبل اكثر من ثلاثة أرباع القرن سعوا الى تكريس أسس وركائز الصراع الطائفي والتمييز الطائفي لا حُباً او تفضيلا لطائفة او أقلية على طائفة أخرى وانما لإنجاح إستراتيجية تؤدي الى تفريق أبناء الشعب الواحد وتكريس الصراعات الجانبية على حساب الصراع الرئيسي، والمحافظة على نظام الاقلية المذعورة دوماً من أغلبية الشعب والمحتاجة دوماً للدعم الخارجي (لاحظوا تعبيرات المس بيل والمندوب السامي البريطاني وآخرين في الوثائق البريطانية الخاصة بتلك الفترة ..).إضافة الى تشخيصهم المبكر لعناصر قوة الوجود الشيعي في العراق (من قبيل مؤسسة المرجعية الدينية والشعائر الحسينية ودور المراقد المقدسة ومفهوم التقليد والارتباط بالمرجع ... الخ).

الأنظمة الحاكمة (التي تعاقبت على الحكم في بغداد واغلبها كان منسجما مع السياسات الغربية، اعتمد المعايير الطائفية في بناء نظام الحكم وفي وضع الأهداف والسياسات التفصيلية واستخدمت المصطلحات والمقولات الطائفية (خاصة في حالة نظام صدام) في تعليماتها السرية الخاصة لقواعدها او عند تصديها للنهوض الشعبي في الداخل، كما حصل في التعامل مع الانتفاضة الشعبية ... ومن قبل مع العديد من الانتفاضات الأخرى.

هيئات ومنظمات دولية اعتمدت ايضاً المعيار الطائفي في توصيفها للازمة في العراق، لاحظوا مثلا لغة التقارير السياسية الغربية قديماً وحديثاً عن العراق حيث دائما تؤكد (على عبارة المعارضة الشيعية للحكم السني) علماً بان المعارضة لم تكن مذهبية.

او بعض بيانات منظمة العفو الدولية (راجع مثلا البيان الذي صدر عن منظمة العفو الدولية عام 1980بمناسبة قيام نظام صدام بقتل العالم الديني والمفكر العراقي الإسلامي السـيد محمد باقر الصدر (رحمه الله)، جاء في البيان وبالنص:

(... لقد شجع ظهور قيادة شيعية في إيران، الشيعة في العراق ان يفرضوا هويتهم ويؤكدوا وجودهم وهم الأكثرية في العراق ضد الحكومة العراقية فقد كان رد فعلها ... الخ).

واخطر من هذا وذلك، بعض الاطروحات التي بدأ البعض يبشر بها ويدعو لها، بعد تداعيات غزو الكويت وبعد توقف الانتفاضة الشعبية ... أطروحات تعتمد تماما على المعايير الطائفية في تشخيص أزمة الساحة العراقية وفي اقتراح الحلول لتلك الأزمة.

(أطروحة حافظ الشيخ، أطروحة كنعان مكية، أطروحة بعض الدوائر الغربية، وأطروحة بعض عناصر النظام التي انضمت بعد غزو الكويت في 1990 الى صف المعارضة العراقية).

هناك خلط/ عن عدم معرفة او عن قصد سياسي/ بين أمور هامة:

  1. الصراعات والتنافسات المذهبية، وهذه لا تختص بها الشيعة والسنة فقط سواء في العراق او غير العراق. فهناك صراعات بروتستانتية وكاثوليكية وهناك صراعات بين الفرق اليهودية ... الخ
  2. حق كل طائفة في حمل معتقداتها وممارسة شعائرها والمطالبة بحقوقها، بما لا يؤثر سلبا على وحدة المجتمع ومصالح الوطن
  3. حق كل فرد من الشعب العراقي بممارسة حقوقه السياسية، وبالتالي حق الأكثرية وفق المعايير المتحضّرة في ممارسة الدور الذي يتناسب مع سعة قاعدتها ... ولا وصاية لأية جهة تريد منع هذا الحق
  4. توظيف الدوائر الخارجية والأنظمة الدكتاتورية، لواقع الحساسيات والاختلاف والمنافسات المذهبية، باتجاه المحافظة على نفوذ الدوائر الخارجية واستمرار النهب والسلب لثروات الوطن وباتجاه استمرار تسلط الدكتاتوريات اللاشرعية

جذور الأزمة التي كانت مستفحلة في العراق منذ ما يُسمى بالاستقلال وحتى الآن تعود الى فقدان العراق لاستقلاله السياسي، وتسلط حكومات دكتاتورية تقوم على هيمنة أقلية عسكرية او حزبية او عشائرية متخلّفة على مقدرات الوطن والشعب، وتسعى من خلال ضمان استمرار الدعم الخارجي لها (من خلال تفريطها بثروات البلد وخدمتها للسياسات الخارجية على الضد من مصالح الشعب والوطن)، تسعى لموازنة ضعفها الداخلي لافتقادها القاعدة الشعبية المناسبة .. وتعتمد القمع والإرهاب كإستراتيجية في مواجهة الأغلبية الشعبية وقوى المعارضة.

لم تكن للازمة العراقية آنذاك أي صلة حقيقية بالحساسيات الطائفية الموجودة بين اتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، كما ان الصراع في كردستان العراق ليست له صلة بالحساسيات بين العرب والكر د او باقي الأقليات...

الأرقام التاريخية الموثقة تشير الى ان الصراع الطائفي كان في فترة مبكرة من إفرازات الصراع السياسي بين الدول الخارجية للهيمنة على العراق.

وتشير الى ان البريطانيين منذ بدء نفوذهم أيضا اعتمدوا سياسة إذكاء وتكريس الخلافات والصراعات بين السنة والشيعة وسياسة إقصاء الأكثرية الشعبية عن مقدرات العراق، وذلك لانجاح سياسة فرق تسد (راجع كتاب: دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث – د.عبد الله النفيسي) وللانتقام ممن تصدوا بقوة للاحتلال العسكري البريطاني في بداية هذا القرن إضافة الى تشخيصهم لعناصر قوة حقيقية يتمتع بها الوجود الإسلامي الشيعي في العراق، وهي عناصر يمكن ان تلعب دورا هاما في بناء كيان سياسي مستقل وقوي ومستقر في العراق والمنطقة وهو الأمر الذي لا ترغب بحصوله دوائر عالمية وإقليمية نافذة.

الذين يقومون هذه الأيام بتوصيف الأزمة العراقية او توصيف حلولها المستقبلية من منظار طائفي، هم أولا عناصر نظام صدام والأوساط والمجموعات المستفيدة من امتيازات النظام الذي عاش على استمرار الاضطهاد الطائفي، أنصار النظام الذي سعى وطيلة ثلاثة عقود لتوظيف الحساسيات والاختلاف المذهبية والعنصرية والمناطقية لضمان بقائه في السلطة ولتفتيت القوة الشعبية الواسعة المناهضة له في الداخل ولتحييد او كسب دوائر إقليمية وغربية تعيش اوهام الخطر الشيعي في العراق الذي قد يوفر الأرضية (بحسب زعمها) لتمدد أيراني إقليمي،

وهم ثانيا دوائر خارجية طامعة في ثروات العراق الضخمة، دوائر بدأت تشعر وكأن ركائز أسس مشروعها السياسي القديم في العراق قد بدأت بالانهيار، فأخذت تعتمد المعايير الطائفية (المذهبية) في التعامل مع الشأن العراقي، بأمل ان تسمح لها هذه المعايير بإعادة بناء بعض ركائزها المنهارة في العراق، بالضبط كما فعل الغرب مع الدولة العثمانية عندما دخل بنفوذه من منطلق الدفاع عن الأقليات الدينية وتأمين حقوقها ...

وربما يوجد بعض الطيبين من ضحايا النظام (من الذين لا يملكون وعياً دينياً وسياسياً كافياً) ممن يتبنون التوصيف الطائفي للازمة في العراق، كرد فعل على الاضطهاد المنظم الواسع الذي تعرضوا له لعشرات السنين الماضية وما أدت إليه من مآسي إنسانية غير قابلة التحمل.

أننا نعتقد بان من المهم والمفيد جدا ان نقوم بالتمييز بين أسباب ومظاهر الصراعات المذهبية بين الطوائف الاسلامية المختلفة في العراق والتي امتدت تاريخيا لفترات ماضية وبين سياسة التمييز الطائفي التي استعملتها بعض الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في العراق، وآخرها نظام صدام، ضد اتباع آهل البيت(ع). فغالبا ما كان الجهل الديني والموروثات الخاطئة والمصالح الضيقة وغياب القواعد الصحيحة لتنظيم الصلة والتعامل فيما بين اتباع المذاهب الاسلامية هو السبب وراء العديد من الصراعات والمشكلات المذهبية إضافة الى العامل السياسي المتمثل بمصالح حكومات معينة وأفراد معينين حيث كان ضمان تلك المصالح يمر من خلال خلق وتأجيج الصراعات الطائفية بين أبناء الشعب الواحد وبين أبناء الأمة الواحدة (كما في مثال صراع الدولة الصفوية والدولة العثمانية) أما سياسة الاضطهاد المنظم لشيعة العراق فقد كانت لاهداف سياسية لا علاقة لها بمذهب الحكام، وانما لأغراض ترتبط بمصالح المشروع السياسي الذي أعدّه المستعمرون للعراق في بداية القرن الماضي والذي يضمن تكريس نفوذهم وسيطرة عملائهم على مقدرات البلد، وكان في صلب المشروع السياسي الاستعماري المعد للعراق استبعاد الأكثرية (الشعبية المنسجمة عقائدياً واجتماعياً مع تنوّع انتماءاتها القومية والمناطقية) وتسلط نخبة عسكرية وسياسية غالبيتها من أصول غير عراقية وتختلف مذهبياً وقومياً وحتى اجتماعياً مع الأكثرية. وبالطبع الذين صمموا سياسة الاضطهاد الطائفي اخذوا بعين الاعتبار نتائج تلك الصراعات والمشكلات والحساسيات التاريخية التي اشرنا أليها قبل قليل، واستفادوا منها بأقصى درجة ممكنة .. فالأعداء وكما خبرناهم لا يقومون عادة بصنع تناقضات جديدة وانما يقومون بتأجيج التناقضات الموجودة في المجتمع او استغلال نتائجها من خلال خططهم البعيدة المدى.

ومن هنا فان الذين كانوا يضطهدون شيعة العراق هم ليسوا اتباع المذاهب الأخرى، وانما هم عملاء المشروع السياسي الغربي، فحتى اذا كان كبار رجال السلطة ومنفذي سياساتها في الأجهزة المهمة من مذهب معين فهم في الحقيقة لا ينطلقون من انتمائهم المذهبي وانما ينطلقون من مصالحهم السياسية وارتباطاتهم الخارجية، فالصراع في العراق ليس في الواقع صراعا سنيا شيعيا كما تسعى بعض الأجهزة والاطروحات لتصويره وانما هو صراع بين الكتلة الوطنية المنسجمة ذات القاعدة الشعبية العريضة وبين أدوات القوى الدولية أي هو بين حكومة ظالمة وعميلة وبين الأكثرية الشعبية المنسجمة عقائدياً وأجتماعياً ... وبالطبع يتم استغلال أحقاد ومورثات خاطئة وحساسيات مذهبية لدى بعض اتباع المذاهب الأخرى ليكونوا هم الأداة الصالحة في تنفيذ الخطة، بالضبط كما حصل بعد ثورة العشرين الكبرى حيث استغل البريطانيون الحالة الطائفية البغيضة لدى (عبد الرحمن النقيب الكيلاني) لدفعة لقبول رئاسة الوزراء وليكون واجهة المخطط البريطاني ضد الأغلبية الشعبية الثائرة آنذاك في العراق. وسعى صدام لاداء نفس الدور ولكن بصورة اكثر غباءً وانفضاحاً.

ربما تكون الموظفة البريطانية المشهورة (المس بل) هي التي وضعت أسس وركائز مخطط الاضطهاد الطائفي المعاصر كقوانين الجنسية والإقامة ومن خلال تثبيت معادلة عامة/ غير معلنة/ لنسب المواقع السياسية المهمة التي يمكن ان يشغلها شيعة العراق(وزراء – أعضاء مجلس أمة – متصرفون ومحافظون – قادة فرق ...الخ) ومن خلال تثبيت سياسة ظالمة ومجحفة بخصوص قبولهم في الكليات العسكرية وكلية الشرطة والأمن .. وكذلك من خلال اعتماد سياسات منحازة في التعليم /من رياض الأطفال وحتى المراحل الجامعية/ تتعامل مع علوم أهل البيت(ع) وكأن لا وجود لها، خاصة في تعليم (علوم الدين) او(التاريخ) او(القانون) ثم استلم نظام صدام وبجدارة نتائج سياسات الاضطهاد السابقة، وحافظ عليها وطورها ووسّع مداها بصورة ليس لها مثيل حتى بلغت ذروتها بقتل المرجع الأعلى للشيعة في العراق السيد الصدر(رض) 1979-1980 والنخبة الطاهرة من كبار علماء ومثقفي شيعة العراق والعمل على تغيير النسبة السكانية والانتشار الجغرافي لهم وتدمير قوتهم الاقتصادية وتدمير البنية التحتية التنظيمية لهم والسعي لحرف أجيالهم الفتية والعمل على إبعادهم عن مراكز الاستقطاب الدينية والمذهبية ليكونوا بعيدين عن مبادئهم ومعتقداتهم، بل وليكونوا أعداء لاخوتهم وآبائهم ولعلمائهم .. هذه هي تصوراتنا عن بداية ومسيرة الاضطهاد المنظم الذي مارسته اغلب الحكومات المتعاقبة في العراق ضد الشيعة، وعن الدوافع السياسية التي كانت وراءه.

يخطئ من يعتقد بان السبب الرئيسي لتمكن نظام صدام من البقاء الحكم لحوالي ربع قرن من الزمان هو ان المعارضة والتحرك ضد النظام انحصرت بالوسط الشيعي او لأن قادة المعارضة كانوا من الشيعة والأكراد فقط وهكذا يخطئ من يظن بأن أهم أسباب فشل الانتفاضة الشعبية (شعبان – آذار 1991) تكمن في قياداتها وشعاراتها الشيعية او تكمن في تأييد (سنة العراق) لنظام صدام وفي عدم مشاركة مناطق الشمال الغربي في الانتفاضة وبقائها في حالة سكون شبه مطلق.

ويبدو (من منطلق حسن الظن) بان جهل البعض وعدم امتلاكه للمعلومات الدقيقة عن تفاصيل الواقع العراقي هو الذي يدفعه الى تبنّي مثل تلك التحليلات. لسنا بحاجة الى بحث مفصل لبيان دور الاخوة السنة في حركة المعارضة العراقية (بشقيها الإسلامي والعلماني) ضد نظام صدام طيلة السنوات الماضية.

ولسنا بحاجة الى استعراض قائمة الشهداء والمعتقلين والمفقودين من بينهم ولا نريد أيضا هنا استعراض عدد من الانتفاضات التي وقعت ضد نظام صدام في بعض مدن وقرى مناطق الشمال الغربي في العراق وآخرها كانت انتفاضة الرمادي عام 1995 بعد تسليم الجثمان الطاهر للطيار مظلوم الدليمي والتي استباحتها ولثلاثة أيام ميليشيات ما يُسمى بفدائي صدام ..

أما الزيادة ((النوعية والكمية) الكبيرة في فعاليات المعارضة الاسلامية والوطنية (الشيعية) ضد نظام صدام فلا تعود لتعاطف (السنة) او تأييدهم لنظام صدام، وانما تعود لشروط موضوعية أخرى، من قبيل الدور النشط لمؤسسة المرجعية الدينية وقوة الارتباط بين هذه المؤسسة وبين قواعدها الشعبية وتعود أيضا لمنظومة الأفكار الثورية السائدة في الحالة الشيعية والقائمة على النموذج الحسيني في التصدي للظلم والاستعداد للتضحية بالأصحاب والأبناء والأنفس في سبيل المبادئ وقيم الحق والخير، إضافة الى الفرق الكبير بين التعداد السكاني للشيعة والسنة في العراق.

لقد حكمت العراق ولعشرات السنين نخبة سياسية وعسكرية تمثل في غالبيتها أقليات مناطقية انعزالية وجاء نظام صدام كأمتداد ووريث طبيعيين لتلك الأوساط العشائرية والعسكرية والحزبية فماذا كانت النتائج؟

  • المجتمع العراقي العريق بحروب طائفية وقومية هوجاء قد تؤدي الى تقسيم العراق
  • ارتكاب مجازر بشعة بحق الاخوة الكرد وبحق الأغلبية العربية الشيعية
  • قمع لا مثيل له لحقوق الإنسان العراقي أيّاً كانت انتماءاته الدينية والقومية والمذهبية والحزبية
  • تعريض استقلال العراق لمخاطر حقيقية
  • بناء دكتاتورية همجية لا مثيل لها في المنطقة العربية والإسلامية
  • شن حروب عدوانية مدمرة على دول وشعوب مجاورة (عربية ومسلمة)
  • تهديد الأمن والسلام في المنطقة والعالم

ان نظام صدام هو النموذج الصالح المعبّر عن الأطروحة السياسية التي يدعونا (حافظ الشيخ- كاتب مقالة- العروة المفقودة بين قوى المعارضة العراقية تنتظر أن يملأ البطل العربي السني مكانه- صحيفة الشرق الاوسط السعودية – العدد الصادر بتاريخ 31/3/1992 – ونشرنا ردنا عليها بعد أسابيع في صحيفة البديل الإسلامي الصادرة في سوريا) مرة ثانية وبعد كل تلك المعاناة والتجارب الطويلة، الى تكرارها ثانية بعد إزالة صدام عن الحكم وبكلمة أخرى يقترح لنا ومن اجل إزالة (شخص المجرم صدام) المحافظة على نفس المشروع والأسس والركائز الشاذة التي آدت الى صعود (صدام) ونخبته المجرمة الى السلطة في العراق. أننا نعتقد بان (كاتب المقالة) وبالرغم من معرفته بالتركيبة السكانية للعراق، واطلاعه على التعددية القومية والدينية والمذهبية للشعب العراقي ألا انه للأسف قام بقراءة تلك التركيبة وهذه التعددية قراءة خاطئة ومنحازة..

أليس من الغريب ان يكون اغلب القادة العسكريين الذين اشتهروا بالقسوة وارتكاب الجرائم الوحشية تجاه الاخوة الكرد في سنوات القتال في كردستان العراق، من المناطق التي افترض الكاتب أن تلعب دور (الوصل) بين الشمال الشرقي الكردي والجنوب العربي الشيعي.

ولا نعلم كيف ستقوم الأوساط المستفيدة لسنوات بل ولعقود من الزمن جرّاء التركيبة القومية المذهبية العشائرية الخاصة للسلطة، كيف ستقوم بدور (تمزيق أردية الشرعية الشكلية من على منكبي المجموعة الحاكمة المنتمية في اغلبها الى الشمال الغربي) ...؟ وبعد كل الجرائم الوحشية التي ارتكبها صدام التكريتي ضد المسلمين والمسيحيين وضد الشيعة والسنة وضد العرب والكردي والتركمان وضد أهل الوسط والجنوب والشمال وكذلك ضد أبناء الشمال الغربي .. وبعد كل التكارتة الذين قتلهم صدام (حردان التكريتي – محمد احمد حسن البكر التكريتي – رشيد مصلح التكريتي – احمد حسن البكر التكريتي وغيرهم بالعشرات) وبعد كل أولئك البعثيين القياديين الذين قتلهم صدام وبعد كل أولئك السنة الذين قتلهم صدام ..

بعد كل ذلك هل يجب علينا تنصيب (--- التكريتي) لانه بعثي وسني وتكريتي، لأثبات انه ليس جميع التكارتة وليس جميع أبناء الشمال الغربي وليس كل العرب السنة متواطئين مع النظام .. هل حقاً يوجد سنة عرب وعراقيين من أبناء الشمال الغربي يعتقدون بان نظام صدام هو الضامن لامنهم وسلامتهم ومستقبلهم.؟ولا يثقون بالمعارضة ما لم تضع على رأس قياداتها تكارتة سنة بعثيين .. باختصار ان وجد مثل هؤلاء فهم قلة من المجرمين الذين شاركوا (صدام التكريتي) جرائمه البشعة ضد كل أبناء الشعب .. ولا يقبل العدل ولا القانون ولا الشعب إعطاء الأمان لمثل أولئك القتلة، فحسابهم هو في الواقع نفس حساب صدام .. وقضية خطيرة وهامة أخرى يثيرها السيد (كاتب المقالة) لكسب تأييد بعض الأطراف الإقليمية لأطروحته وخلاصتها كما اشرنا أليها (.. ان وجود عرب العراق السنّة في مقدمة مشروع للتغيير السياسي الجذري للعراق، من شأنه ان يطمئن دول الجوار العربي ..)،نحن وبصراحة نعتقد بخطأ هذه المقولة.

ان الاستقراء الدقيق والعميق لتاريخ العراق المعاصر يشير الى ان التهديدات الخطيرة التي تعرضت لها دول الجوار العربية والمسلمة، إنما كانت تصدر عن حكومات عراقية تتشكل نخبتها من أبناء الأقليات المناطقية الانعزالية في الشمال الغربي.فجريمة غزو الكويت والتهديد بغزو السعودية خير مثال على ذلك.

ويمكن المقارنة بين تأثيرات الخطاب السياسي الديني الإيراني (بعد انتصار الثورة عام 1979) في الشارع العربي وفي الشعوب العربية المحيطة بإيران والذي استطاعت أجهزة معادية له تحجيمه، للحاجز القومي (عرب وفرس) وللحاجز المذهبي (سنّة وشيعة) القائم بين مصدر الخطاب وبين الوسط المحيط به ... وبين تأثيرات الخطاب السياسي الديني القومي الذي استخدمه (دجلا) نظام صدام في الشارع العربي في بداية التسعينات، وكانت تأثيراته قوية وواسعة ولا تزال مضاعفاته مستمرة لحد الآن ..من خلال المقارنة يمكن القول بأن الذي يجب ان يثير مخاوف دول الجوار العربي، هو وجود الشخصيات والأوساط التي يدعو (كاتب المقالة) لقيمومتها على حركة المعارضة العراقية.

لأنها الأقدر على تحريك الشارع العربي للانسجام القائم بينها وبين ذلك الشارع وفي آية صراعات سياسية او عسكرية بين العراق وبين تلك الدول. وإذا كان كاتب المقالة وهو عربي من البحرين (حسب الظاهر) قد سمح لنفسه ان يعطي بعض الأنظمة الحاكمة في دول عربية مجاورة، الحق في السعي لفرض عناصر معينة من بعض مناطق العراق لأسباب طائفية بمبرر الاطمئنان ولمنع بروز مصدر تهديد للامن العربي القومي والخليجي، فيكون للأكثرية المظلومة في العراق الحق في ان تطلب تغيير التركيبة الطائفية الحاكمة في بعض دول الجوار لأنها كانت دوماً الى جانب الدكتاتورية الحاكمة في بغداد ضد مصالح الأكثرية ..

وهكذا سيكون هناك حق ومبرر مشروع لتركيا وإيران لفرض معادلات مذهبية وقومية معينة داخل العراق لحماية أمنهما القومي .. خاصة وإحداها قد عانت ولثمان سنوات من ويلات عدوان السلطة الطائفية الدكتاتورية الحاكمة في بغداد ... فهل يقبل كاتب المقالة ذلك؟ ام انه من أنصار الكيل بميزانين وحسب الهوى والمصلحة...

ونعود مرة ثانية لنؤكد عدم إيماننا بوجود صراع سني شيعي في العراق، وعدم إيماننا بالمعيار الطائفي في تصنيف أبناء الشعب العراقي الملتحم مصيرياً وتاريخياً ... كما نؤكد رفضنا لمنهج تكريس الامتيازات الطائفية وكذلك رفضنا لمنطق الابتزاز السياسي فنحن لسنا طائفيين ولكن عدم طائفيتنا لا تعني منح الامتيازات الاستثنائية لشخصيات معينة (تقول اليوم أنها من المعارضة) .. ولأنها من نفس الوسط المذهبي والعشائري الذي ينتمي اليه صدام التكريتي وعصبته الحاكم.

ان شعبنا العراقي لا يسمح وبأي حال من الأحوال باستمرار ثوابت الموظفة البريطانية (المس بل) ولن يقبل باستمرار الدولة العراقية على نفس الأسس والركائز الظالمة بحق الأكثرية من أبناء الشعب.

إننا لن نقبل بديلاً عن منهج (إنصاف الأكثرية) واحترام حقوق الأقلية .. وإذا كانت اغلب شعوب العالم استطاعت ان تفرض مطالبها على الحكام وعلى النظام العالمي الجديد، فأن الشعب العراقي ليس استثناء، وقد برهن في انتفاضة شعبان (آذار 1991) على قدرته في قول ما يريد .. وسيبرهن قريباً على قدرته على فعل ما يريد .. ان شاء الله ..

نؤكد مرة أخرى ان لا استقرار في المنطقة إلا باستقرار الأوضاع داخل العراق .. ولا استقرار داخل العراق دون إزالة الحواجز والعقبات التي تحول دون تمتع الأكثرية الشعبية العراقية بحقوقها الدينية والثقافية والسياسية .. إضافة الى تمتع الاخوة السنّة وباقي العراقيين بحقوقهم.

وواهم من يريد إعادة عجلة التاريخ الى بدايات نشأة الحكم الوطني في العراق ... وكما ان بقاء صدام التكريتي في الحكم ليس له علاقة بتأييد مزعوم من قبل الاخوة السنّة في العراق، فأن طريقة إسقاطه لا تستلزم تنصيب شخصية سنية تكريتية بعثية على رأس المعارضة العراقية.

لقد لعبت عوامل أساسية في بقاء نظام صدام التكريتي لحد الآن في الحكم أهمها:

  1. الدعم اللا محدود من قبل اغلب الأنظمة الإقليمية والقوى الدولية الكبرى / قبل غزو الكويت / والذي وظفه نظام صدام جيدا في بناء ركائز قوته وفي القضاء على مقاومة الشعب ونشاط ووجود المعارضة، ولو الى حين
  2. الإرهاب والقمع وبأعلى درجة .. كإستراتيجية اعتمدها النظام للبقاء في السلطة
  3. تشتّت وتخلّف وتذبذب مواقف بعض قوى المعارضة العراقية، مما أدى الى إضاعة فرص ثمينة..

وهكذا نرى ان حصر مسألة بقاء النظام بتأييد العرب السنّة له. هو تحليل إما يدل على الجهل بواقع الساحة او يكشف عن أغراض مريبة أخرى.

وهو إضافة لذلك إساءة للأخوة السنّة الذين يشغلون حيّزاً محترماً في ساحة المعارضة العراقية. قبل ان يكون إساءة لغيرهم.

البحث الثالث: التعـايش ... تجارب الآخـرين والـدروس

يأتي العرب والمسلمون الى ديار الغرب وهم يحملون جنسية وهوية الأوطان التي قدموا منها، وحتى الذين هربوا بسبب الاضطهاد السياسي او لهم موقف معارض او سلبي من أنظمة الحكم فيها، يبقون على ولاء قوي لأوطانهم الأولى. لا ينطبق هذا فقط على العرب المسلمين الذين يشعرون بوجود اكثر من حاجز بينهم وبين المجتمعات الغربية ذات الغالبية المسيحية، بل ينطبق ايضاً على المسيحيين العرب المهاجرين الى الغرب، فهم أيضا يعيشون ولاءً لا يضعف لأوطانهم الأولى. فهويتم الثقافية والاجتماعية العامة هي اقرب الى أبناء جلدتهم وان اختلفوا في الديانة.

الإشكالية تبدأ في الأجيال الثانية والثالثة واللاحقة من المهاجرين واللاجئين، وتبرز اكثر عندما يبدأ الجميع يحمل جنسيات وجوازات سفر ووثائق البلدان التي يقيمون فيها. عندئذ تبرز قضية (المواطنة) والانتماء الوطني او الاختيار بين موطن الآباء والأجداد وبين الوطن الجديد كمشكلة حقيقية.

في هذه الدراسة الأولية نريد استعراض خلاصات لبعض التقارير والدراسات المنشورة للتعرف على جوانب مختلفة من هذا الموضوع والخروج باستنتاجات عامة.

في خطاب لوزير الدولة السابق بوزارة الخارجية البريطانية (ديريك فاتشيت) في مؤتمر (ديتشلي بارك-انكلترا): (ان المملكة المتحدة مجتمع تعددي الثقافات والديانات والحكومة تعلم هذا الواقع جيداً، ولذا صممت على ضمان المساواة للجميع في ظل القانون بغض النظر عن اللون والعقيدة والأصل العرقي... ان المسلمين في بريطانيا يشعرون كمواطنين بوضع مريح نسبياً لعله أفضل بكثير منه في غالبية الدول الغربية). ثم يضيف: (غالبية المسلمين في بريطانيا يعتبرون أنفسهم بريطانيين ... بريطانيين مسلمين، بصورة متزايدة باعتبارهم مولودين هنا، وبالرغم من بروز مشاكل بين الحين والآخر للبعض بشأن تحديد هويتهم بشكل أدق، فأن غالبية المسلمين مرتاحون للمكونات المختلفة لهويتهم الشخصية. وكل منا يشعر في الواقع بأن حياته باتت اكثر ثراء بما اكتسبه من التلون الثقافي. ويهمنا ان نؤكد على هذه الحقيقة ونشدد على التمسك بها. وجيل الشباب سيتمسك بها اكثر بعد ان يرى ان أسرته ومن ثم مجتمعه قد تقبلاها على نطاق واسع).(1)

إما مستشار وزير الداخلية الفرنسي لشؤون الحريات العامة والهجرة (باتريك كينكتون) فقد قال: (ان المبدأ الذي تعتمده فرنسا على صعيد دمج المهاجرين الموجودين على أراضيها، يستند الى قابلية أي مهاجر يقيم على الأراضي الفرنسية لمدة معينة للحصول على جنسية، واشار الى ان هذا المبدأ يركز على الفرد، وأنه لا يقضي بدمج كل من أفراد جالية معينة بصفة شخصية.

وأوضح ان نمط الاندماج هذا يشكل خصوصية فرنسا ويجنبها طرح الأسئلة المطروحة حالياً في دول أوربية أخرى حول كيفية تنظيم الجاليات المهاجرة وتحديد العلاقات معها وحل المشكلات التي تواجهها لكي تتجانس مع سكان البلد.

ان اكتساب الجنسية تترتب عليها مجموعة من النتائج الملموسة التي تسهل الاندماج، ومن بين هذه النتائج الملموسة هو الحؤول دون انتظام المقيمين الأجانب ضمن أطر خاصة بهم، دون ان يمس ذلك بحرية إنشاء المنظمات المنصوص عليها في القوانين الفرنسية). وتابع: (ان الاندماج يتحقق عبر مجموعة من المؤسسات منها الضمان الاجتماعي والمساواة في سوق العمل والمدارس العامة التي تتعامل مع كل فرد عبر علاقة شخصية وخاصة وذلك بدلاً من ان يكون هناك سعي لدمج جالية كاملة كالجالية الجزائرية دفعة واحدة).(2)

الحزب الشيوعي الفرنسي له وجهة نظر أخرى، المسؤول عن قضايا الهجرة في الحزب (سيرج غيشار) يقول: (ان الهجرة مصدر اغناء وتنوع، وإنها ظاهرة لازمت المجتمعات البشرية على مر الزمن، ومن المتعذر إلغاؤها). ومضى يقول: (ان الحزب لا ينظر الى أبناء المهاجرين على انهم بدورهم مهاجرون، فهم فرنسيون لا أكثر ولا أقل، وينبغي ان يتم التعامل معهم على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي مثلهم مثل سواهم من الفرنسيين).

ورأى (فيشار): أن فقدان الثوابت لدى بعض أوساط الشباب المنبثقين عن الهجرة وافتقارهم للشعور بالانتماء مرده الى عدم وجود اعتراف كامل وتام بالفئات المكونة للمجتمع الفرنسي وبحقها في الاختلاف عن بعضها البعض). وقال: (ان يشعر شاب ولد في أسرة مهاجرة بأنه فرنسي وبأن لديه في الوقت نفسه جذوراً ثقافية تمتد الى خارج فرنسا، يشكل عامل تنوع وإثراء، ولكن المشكلة تكمن في أننا بدلاً من إفساح المجال أمامه لكي يكون فرنسياً مئة في المئة فإنه يحول الى مواطن من الدرجة الثانية، وبالتالي فأن كل ما يحمله من تراث ثقافي عائلي وديني يتحول الى عاهة بالنسبة اليه بدلاً من ان يكون اسهاماً في تنوع المجتمع الفرنسي).(3)

إما نائب رئيس الجبهة الوطنية الفرنسية (اليمين المتطرف) كارل لانغ، فيرى أن: (العمال المهاجرين يجدون إجمالا صعوبة بالاندماج في المجتمع الفرنسي، وان اندماجهم يصبح مستحيلاً عندما يكون هؤلاء عاطلين عن العمل، ويؤدي الى نمو اجتماعي فوضوي وعشوائي والى نشوء (غيتوهات) غير قادرة على الاندماج والانصهار في المجتمع).

وتابع: (انه بالنسبة للمهاجرين المُجنسين فأن وجودهم في فرنسا يطرح مشكلة مختلفة هي مشكلة ازدواجية الجنسية. فالجبهة تعارض مثل هذه الازدواجية، وتعتبر انه ينبغي الاختيار بين واحدة منهما، فالذين يختارون الجنسية الفرنسية تكون لهم نفس حقوق وواجبات سواهم من الفرنسيين، إما اذا اختاروا جنسياتهم الأصلية فلا داعي لبقائهم على الأراضي الفرنسية).

وعن مطالبة مسلمي فرنسا بحقهم بالاحتفاظ بهويتهم الدينية والثقافية، قال (لانغ): (ان الجبهة ترفض ان يتحول الدين الى ذريعة لتقوقع هذه الفئة من المهاجرين او تلك او لاعتمادها أنظمة خاصة بها، لأن الرابط الذي يفترض ان يتقدم على أي رابط آخر هو المصلحة الوطنية الفرنسية والشعور بالانتماء الى المجموعة الوطنية بمعزل عن الخصائص والميزات والانتماءات الدينية). واوضح: (ان المشكلة لا تكمن على صعيد ممارسة المسلمين لحقوقهم الدينية، وانما في غياب ما يضمن بقاء هذه الممارسة في إطار احترام قواعد الدولة والجمهورية وواقع فرنسا باعتبارها أرضا مسيحية).(4)

ضمن مناقشات ساخنة حول تعليم مادة الدين الإسلامي في مدارس ألمانيا، أكد (اوتوشيلي) وزير الداخلية الألماني امام ممثلي الجاليات والمنظمات الاسلامية في ألمانيا: (ان حكومته لن تجري أية مفاوضات مع منظمات إسلامية معادية للدستور الألماني). وقال: (ان هدف الحكومة الألمانية هو دمج المسلمين في المجتمع وتعزيز الحوار بين الأديان باعتباره هدفاً اساسياً من اهداف الحكومة الألمانية). وانتقد (شيلي) في الاجتماع موقف منظمة (ملي خوروش) التركية وهي الفرع الخارجي لحزب الفضيلة التي استضافت اجتماعاً اسلامياً تحت شعار (الإسلام في ألمانيا دين يبحث عن جنسية). وقد أثارت مجلة (دير شبيغل) الألمانية عاصفة من الشكوك حول الأسلوب (البافاري) لتعليم الإسلام في المدارس حينما كشف الطبيعة القومية المبطنة التي تختفي وراء مناهج وكادر حكومة أنقرة.

ويقول (مانفريد شراينر) مفوض شؤون تعليم الأجانب في مقاطعة بفاريا الألمانية: (ان الطريقة التي تستخدمها وزارة التعليم التركية هي (سيطرة فعالة) على التربية القومية الأتاتوركية للتلاميذ الصغار. فالقضية ليست قضية تدريس لغة او تدريس دين، وانما قضية ولاء قومي لمبادئ الحكومة التركية).

وكتب (روبريشت بولنز) النائب عن الحزب الديمقراطي المسيحي في صحيفة (زود دويتشة تسايتونج) الواسعة الانتشار يقول: (ان تدريس الدين الإسلامي في المدارس الألمانية يسهم في اندماج الأجانب في المجتمع الألماني ويقلل التوتر بين الأديان، ولكن فقط حينما يكون باللغة الألمانية).(5)

عندما فاز منتخب الدانمارك لكرة القدم على منتخب ألمانيا ونال كأس أروبا عام 1992 شارك الأجانب المقيمون في الدانمارك سكان البلاد فرحتهم بالفوز وانخرطوا في المظاهرات التي امتلأت بها الشوارع حتى صباح اليوم التالي. وفي تلك الليلة ايضاً كادت أعمال العنف ان تنفجر بين الأتراك والألمان في العديد من المدن الألمانية بسبب الفرح الذي أظهره أجانب ألمانيا تجاه خسارة المنتخب الألماني، فقد عجز الألمان عن فهم هذا الموقف الجاحد. وفسر احد علماء الاجتماع الألمان القضية على شاشة التلفزيون قائلاً: هذا دليل نجاح سياسة دمج الأجانب في المجتمع الدانمركي وفشلها في المجتمع الألماني، فقوانين الأجانب في الدانمارك وهولندا وبريطانيا والسويد، بما فيها قوانين التجنس والإقامة اكثر ليبرالية بكثير من القوانين المماثلة في ألمانيا.

وتحاول دراسة أعدها المعهد العلمي في برلين اليوم لفت انتباه المسؤولين الألمان عموماً الى خطر المقولة التي يروج لها المحافظون واليمينيون المتطرفون والقائلة بأن تسهيل تجنيس الأجانب ومنحهم الاقامات سيعزز عزلة الأجانب في ألمانيا.

واثبتت الدراسة المقارنة التي أعدها فريق من علماء المعهد البرليني بقيادة أستاذ العلوم السياسية (رودكوبمانز) وزميله أستاذ علم الاجتماع (بول شتاتهام) ان تطبيق قوانين الجنسية الليبرالية في ألمانيا سيضعف ميول الأجانب المتجنسين للتفاعل مع المشاكل السياسية والقومية والإثنية المستوردة من بلدانهم.

وترى الدراسة التي أعلنت الى الرأي العام، ان تمييز الأجانب لانفسهم مع البلدان التي قدموا منها يجعلهم اكثر عرضة للتأثر بالمشاكل السياسية والصراعات الاثنية التي تغلي في بلدانهم ويجعلهم اكثر استعداداً للانخراط في الانعكاسات الخارجية لهذه الصراعات في الخارج، بينما يقلل تجنيسهم السريع ودمجهم في المجتمع الألماني من سطوة حكوماتهم عليهم ويقف بالضد من تعبئتهم في الخارج لدعم مواقف حكوماتهم الخاطئة تجاه الجماعات الاثنية الأخرى.

وتشير الدراسة المقارنة التي أعدها المركز العلمي في برلين الى ان قوانين التجنيس الليبرالية في بريطانيا جعلت (51%) من الأجانب المقيمين في بريطانيا ينخرطون في السياسة الاندماجية التي تتبعها الدولة، في حين ان نسبة الأجانب المتجاوبين مع سياسة الدولة الاندماجية في ألمانيا لا تتجاوز (6%)، وهذا يعني إنها لا تلعب سوى دور هامشي في حياة الأجنبي المقيم في ألمانيا. وسبب ذلك حسب رأي العاملين (كوبمانز وشتاتهايم) هو قانون التجنيس المتساهل في بريطانيا والذي تثبت الإحصائيات انعكاساته الايجابية على اندماج الأجانب في المجتمع وانصرافهم عن نقل الصراعات الجارية في بلدانهم.(6)

وعن العرب في بريطانيا، يقول تقرير صحفي: ثمة خمسون الف بريطاني من اصل عربي يتمتعون بحق التصويت، جرى إنشاء هيئة انتخابية خاصة العام 1997 لحثهم على الانخراط بدرجة اكبر في العملية الانتخابية، ولكنها لم تثر سوى قليل من الاهتمام، وهو ما أثار حنق احد ناشطي تلك الهيئة الذي قال: العرب هنا ينتقدون حكوماتهم لأنها ديكتاتورية، لكنهم لا يتكلفون عناء التصويت هنا حيث تسنح لهم الفرصة بالمشاركة.

وفي محاولة لتحسين وضع العرب وفاعليتهم في بريطانيا، عقد مؤتمران أهليان في العامين 1990 و1993، بدعم من الجامعة العربية والنادي العربي، وسيعقد مؤتمر ثالث ويشمل إجراء حلقات دراسية حول أربعة مسائل رئيسية: اللغة والهوية، والمشاركة في الحياة العامة والسياسية،وحلقة حول مصادر تمويل الجالية، وأخرى حول هيكلية ووظيفة الجالية. وفيما يتعلق بالموضوع الأخير، سيدرس المؤتمر ما اذا كان العرب في بريطانيا في حاجة الى هيكلية مشابهة (لمجلس النواب البريطانيين اليهود) او للمنظمة العربية في الولايات المتحدة الأمريكية كالهيئة الوطنية للعرب الأمريكيين واللجنة العربية المناهضة للتمييز.(7)

في أواخر عام 1994 اعد جهاز التخطيط في الخارجية السويدية ما يسمى بـ(المبادرة الاسلامية) التي غدت من يومها محوراً ثابتاً للسياسة السويدية الداخلية والخارجية. في ذلك الوقت قابل صحفي عربي رئيس الجهاز والمسؤول عن بلورة الفكرة (الجمار كالرلسون) وسأله معناها وأهدافها فقال: فجأة وجدنا أنفسنا وقد اصبح لدينا مليون مهاجر، نصفهم أوربيون تجمعنا معهم قواسم مشتركة، إلا ان نصفهم الآخر وهم في غالبيتهم مسلمون جدد علينا بثقافتهم وديانتهم وتقاليدهم ومفاهيمهم، ونعترف إننا لا نجيد التعامل معهم، ولذلك قررنا طرح هذه المبادرة بادئين بعقد مؤتمر يضع أساسا للتخطيط العلمي لمستقبل (الإسلام الأوربي) ودعونا حوالي مئة مفكر إسلامي (وعربي) ليعلمونا المفاهيم الاسلامية الرئيسية. أضاف: (لا نريد تكرار أخطاء بعض الدول الأوربية الأخرى في التعامل مع المسلمين لديها.

فهؤلاء اصبحوا جزءً من المجتمعات الأوربية ويتعين علينا فهمهم كما يتعين عليهم فهمنا حتى نستطيع التعايش في مجتمع ديمقراطي واحد لا عزلة فيه ولا تهميش ولا تفاوت كبير).

لقد وضعت تلك المبادرة حجر الأساس لسياسة سويدية شاملة نحو الإسلام الأوربي والإسلام في العالم. وتقدم الحكومة مساعدات مالية وافية لأكثر من مأتي جمعية ومنظمة عربية و إسلامية، وتشجع على إنشاء المزيد منها، بل وتحض المسلمين على إنشاء منظمات اتحادية على المستوى الأوربي لخلق مرجعية وقيادة إسلامية أوربية محلية، لكي تتعاون معه السلطات الأخرى في كل ما يهم الطرفين ويدعم التعايش والتفاهم المشتركين. وتوفر الحكومة ضمن سياستها الرامية لدعم حق المهاجرين في المحافظة على ثقافاتهم الأصلية مدرسين في جميع المدارس وبكل اللغات ليتعلم أطفال المهاجرين لغاتهم جنباً الى جنب مع اللغة السويدية وبقية اللغات الأوربية. هذه اللمحات تبرز المعنى السويدي الخاص لمفهوم (الاندماج) الذي لا يعني (الذوبان) وانما يعني الارتباط بالوطن الجديد بعلاقة طوعية وديمقراطية قائمة على الاختيار الحر وفي إطار التعددية واحترام الخصائص المميزة لكل فئة قومية او اجتماعية. وكما يتعين على المهاجر التكيف مع الدولة التي اختارها برغبته ليعيش فيها، يتعين على هذه الدولة ان تتكيف ايضاً مع مواطنها الجديد وبذل جهود كافية في سبيل ذلك.

ويحصل المهاجرون على الجنسية السويدية خلال فترة غير طويلة من إقامتهم الشرعية (4-5 سنوات) ولا توضع أي عقبات تحول دون الحصول على هذا الحق الذي يعد مفتاح الدخول الرئيسي في المجتمع وسوق العمل والمشاركة في الحقوق كافة وخاصة الانتخابات التشريعية، فضلاً عن ان حق التصويت في الانتخابات البلدية والمحلية معطى للمهاجرين دون جنسية بعد ثلاث سنوات من الإقامة.(8)

في هولندا الجيل الثاني من اللاجئين والمهاجرين، اكسب المعادلة ألوانا أخرى، فهذا الجيل عبر منذ البداية عن استعدادات أوسع للاستيعاب والجدل والنشاط ضمن آلية المجتمع الغربي من دون ان يتخلى بالضرورة عن هويته، وهو الى جانب تزوده بالمعرفة وحصوله على فرص منافسة تختلف نوعياً عن فرص والديه وعائلته، فقد وضع على الطاولة أسئلة وجودية مختلفة تماماً عن أسئلة الجيل الأولى. ومن هذه الأسئلة كيفية موازنة المعطيات السياسية والتاريخية والإعلامية، بما يقربها الى مقاييس العدالة والإنصاف ورفض التمييز المسبق. وعنت هذه الأسئلة مراجعة المعطى المماثل في عقول المهاجرين الأوائل والمؤسسات التي تولت مرجعيتهم السياسية والوطنية. وعند هذا الحد بدأ القانون الهولندي يشهد جملة من التطورات والقفزات لتلبية الحاجات المستجدة للجيل الثاني، الذي لم يعد جيل (ضيوف) مؤقتين، بل جيل جديد يتكامل مع غيره من الأجيال المشابهة في الخلفية والديانة.(9)

في ألمانيا حصلت مواجهات اجتماعية عنيفة أدت بالنهاية الى انتصار المعسكر الديمقراطي المطالب بتحديث الدولة وسن القوانين التي تتناسب مع عصر ما بعد الدولة القومية والتي تتلاءم مع التطور الأوربي، ومنها قانون الجنسية. يصطدم مشروع التحديث هذا ليس فقط بمعارضة المحافظين، بل ايضاً بتصورات شرائح واسعة من المهاجرين التي تصب في النهاية في مصب هؤلاء. فكما ان هنالك بين المهاجرين تصورات متخلفة للهوية تلتقي بالتيار العنصري القائل بالخصوصيات الثقافية، توجد ايضاً تصورات متخلفة للهوية تلتقي مع تصورات المحافظين، لا بل احياناً مع تصورات العنصريين. وتصورات الهوية هذه على توعين: هوية دينية وهوية قومية. فبينما توصل اليهود الى أيجاد حلول لأقامة هويتهم الدينية مع المجتمعات التي يعيشون فيها، فلا يشكل دينهم مشكلة لأوربا، يجد بعض الإسلاميين صعوبة في الانتماء الى مجتمع علماني والمحافظة في الوقت نفسه على هويته الاسلامية.(10)

في بلجيكا تضم بلديات العاصمة وضواحيها 11 عضواً من اصل عربي، ودخل برلمان إقليم العاصمة 3 نواب من اصل مغربي وتونسي، وينتظر ان تدمج كل الأحزاب التقليدية، باستثناء اليمين المتطرف، في القوائم التي تعدها للانتخابات العامة المقبلة بعض المرشحين الذين ينحدرون من اصل عربي. وتؤكد هذه المؤشرات دلالات دور سيضطلع به أبناء المهاجرين من الجيل الثاني او الثالث في الحياة السياسية في البلاد، لكن أهمية هذا الدور ستكون نسبية ومتدرجة من ولاية لأخرى لاسباب ديموغرافية او اجتماعية، فغالبية أبناء ما يسمى بالأجيال الثانية والثالثة ولدوا في بلجيكا ويحملون هويتها ويتمتعون بالحقوق المدنية التي تحق للبلجيكيين. ويصح الحديث عن ميلاد مفهوم (المواطنة الجديدة) أو (المواطنة الثانية).

الى ذلك تبدو الأحزاب التقليدية تخلصت من أفكار وافتراضات وأوهام عودة المهاجرين الى بلدانهم الأصلية، وانتهت الى القناعة الصحيحة بأنهم باقون جيلاً بعد جيل في البلد الذي دخله آباؤهم في العقود الماضية، لكن يبقى ان الإقرار بالحقوق الانتخابية شيء وتوفير الموارد وفرص المساواة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية شيء آخر.(11)

في كندا التي تواصلت إليها موجات المهاجرين واللاجئين من مختلف البلدان المتقدمة والنامية والمتخلفة الى ان باتت كندا اليوم، إضافة الى الشعب الكندي المتعدد الثقافات واللغات أشبه ما تكون بجامعة أمم شعبية بكل ما في الكلمة من معنى. واللافت ان هذا النسيج البشري غير المتجانس يحتفظ دون إكراه بقيمة ومُثله وعاداته وتقاليده، ويحظى الى ذلك بكامل الحماية والرعاية القانونيتين اللتين توفرهما شرعة حقوق الإنسان العالمية ومثيلتها الكندية الصادرة عام 1951 دونما تمييز بين مواطن كندي او مهاجر او لاجئ ولا غرو في ذلك، فسياسة الهجرة الكندية كانت على الدوام جزءاً من عملية التطور التاريخي لهذا البلد الذي يهيأ للوافدين اليه سلسلة من البرامج التأهيلية الهادفة، لغوياً وثقافياً ومهنياً، ويرصد في سبيلها الميزانيات الضخمة بغية إعدادهم إعدادا منهجياً متكاملاً يهدف تحويلهم، كغاية قصوى، بعد انقضاء جيل او جيلين من مشروع مواطن الى مواطنين كنديين، لا من حيث التجنس والنشأة والمولد وحسب، وانما من حيث التوجه الثقافي والنمط الحياتي والتكوين السوسيولوجي والسيكولوجي وصولاً الى قطع صلة الرحم مع موطن الآباء والأجداد، ومن اليسير على المرء ان يفك رموز الملصقات الحكومية الداعية الى الانخراط والذوبان في المواطنة الكندية على غرار (ليس المهم ان تكون اسود او ابيض او ذا عينين لوزيتين او شعر مجعد وانما ان يكون قلبك كندياً)

وعلى الرغم مما تحقق للعرب المهاجرين في كندا من ايجابيات، ربما لم يتحقق مثلها في أي من بلدان الاغتراب الأخرى، إلا ان مشاعر الإحباط والحنين ما تزال تنغص عيشهم وتهدد استقرارهم، وهواجس العودة الى الوطن ما تزال تعتمر في نفوس العديد منهم.(12)

في استراليا على رغم جيوش العنصرية الزاحفة، والإحساس العميق بالفارق الكبير بين ما ينتمي اليه الطلاب المهاجرون من حضارات وما يواجهونه من نزاعات نفسية، إلا انهم لم يستطيعوا ان يوجدوا وطناً نهائياً ينتمون اليه، ولم تكن أوطان أهلهم بالنسبة إليهم سوى أوطان بالوراثة وجزء من ذاكرة ولدت وكبرت كوهم جميل.

أحد هؤلاء الطلبة يقول: (ربما لانتفاء الإحساس عندي ان استراليا هي الوطن البديل، وربما لان التربية ذات التوجهات العربية المنتمية الى أخلاقيات الدين والحضارة العريقة، كلها أمور من الصعب القفز فوقها نحو المجهول).

طالبة تقول: (استراليا هي بلد أعيش فيه مرحلياً مع أنى مولودة هنا، وبصراحة اكثر اذا كان هناك من خطر سيداهمه لا اشعر أنى متحمسة للدفاع عنه).

طالب آخر ينفرد برأي مختلف قال: (استراليا هي وطني الذي ولدت فيه وتعرفت فيه الى الحياة، وان يتعرض الإنسان الى اضطهاد في بعض نواحي الحياة لا يعني ان يهرب ويتخلى عن وطنه، وإلا بهذا المعنى على البشر جميعاً ان يكونوا هاربين، ومن المستحيل ان يعيش الإنسان في مجتمع لا يتأثر به).(13)

وضمن هواجس وهموم الجالية المسلمة في بريطانيا في التسعينات، من البيئة والمدرسة التي ينشأ فيها الطلبة المسلمون، تنجم أزمة الفجوة الثقافية بين الجيل الأول من المهاجرين المسلمين و أبناء الجيل الثاني الذين لم يعرفوا غير بريطانيا وطناً لهم. فبينما استطاع الجيل الأول المحافظة على هويته الثقافية ولغته وشكل لباسه، بل ان عدداً منهم لا يستطيعون التحدث بالانكليزية رغم مرور عقود على إقامتهم في بريطانيا، إلا ان أبناء الجيل الثاني يعيشون أزمة هوية.(14)

بعد الحرب العالمية الثانية ازدادت احتياجات أوربا الغربية والشمالية الى الأيدي العاملة، فهاجرت الى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد والدانمارك وهولندا وبلجيكا أعداد كثيرة من العمال المهاجرين من المغرب والجزائر وتونس وباكستان وتركيا وغيرها من دول العالم الثالث الفقيرة والمتميزة بالتوتر واللااستقرار، وقد تميزت هذه المجموعات العمالية القادمة من الشرق بانحداراتها الريفية وارتباطاتها القبلية وتمسكها بعاداتها، وكانت في اغلبها تفتقر الى التعليم.

فهي في نهاية الأمر تكوينات بشرية واجتماعية لا علاقة لها إطلاقا بالبنى الاجتماعية الأوربية وبالتطور الحاصل فيها، بل إنها بعيدة كل البعد عن الحياة الثقافية وهمومها، ناهيك عن مخاوفها إزاء الأوربي وثقافته الخطرة على مقومات شخصية العامل المغترب وأفراد عائلته.

وتختلف شعوب الجزر الاسكندنافية كثيراً عن شعوب الشرق من حيث التربية الديمقراطية وحرية الفرد المطلقة وعدم الاكتراث بالقيم الاجتماعية القديمة، والحرية الجنسية المطلقة التي يتعودون عليها منذ نعومة أظفارهم، وغيرها من الصفات المتناقضة تماماً مع الشخصية المسلمة والشرقية الملتزمة بتقاليدها وعاداتها الاجتماعية والدينية.

مما يجدر ذكره ان الاسكندنافيين استقبلوا العمال الأجانب القادمين إليهم بعد الحرب العالمية الثانية وهيئوا لهم الظروف المناسبة لعملهم وإقامة عوائلهم وتعليم أولادهم في المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة، وطالبوهم مقابل ذلك بالاندماج في المجتمع الاسكندنافي، ولكن دون جدوى، فقد بقيت أجيال الآباء محافظة على مقوماتها الشخصية، بينما ضاع قسم من جيل الأبناء (الجيل الثاني) بسبب عدم مقدرته على التوفيق بين حضارتين مختلفتين تماماً، وبقيت الغالبية العظمى محافظة على التقاليد التي تبرز بشكل واضح في مراسم الأعياد والزواج وشهر رمضان بالذات.

ان المؤسسات الاسكندنافية تطالب في حقيقة الأمر بانصهار الأجانب والذوبان في المجتمع، وليس الاندماج الذي يعني تعلم اللغة والعادات والقوانين والضوابط العامة.(15)

معظم الأحزاب الأوربية الكبيرة متفقة على ان الجاليات المهاجرة أصبحت مستقرة وتشكل جزءً لا يتجزأ من مكونات المجتمع، لكنها تتفاوت في نظرتها الى مستقبل هذه الجاليات الإسلامية مع الثقافة العامة والدولة العلمانية.

وبصورة عامة يمكن إدراج هذه الأحزاب في ثلاثة تيارات كبيرة بغض النظر عن انتمائها السياسي بين اليمين واليسار:

  1. التيار الأول، وهو تيار أغلبية الرأي العام ينطلق من ضرورة ان تبرهن هذه الجاليات عن عزمها طرح المميزات الثقافية و الاثنية التي تتنافى مع الأعراف والقوانين المرعية في أوربا لكي تتمكن من الذوبان في المجتمع قبل ان يبادلها هذا المجتمع حق المواطنة الكاملة.
  2. التيار الثاني، يرى ان حل المشكلة الاجتماعية يفتح آفاق العمل والتعليم امام شبان الجاليات، كفيل باندماجهم الكامل في المجتمع، وان الدولة العلمانية يمكنها ان تشمل الثقافة الاسلامية شرط خضوع هذه الثقافة لقوانين الدولة.
  3. التيار الثالث، ويتألف في معظمه من الليبراليين، والليبراليين الجدد يعتقدون ان المجتمعات الأوربية يمكنها استيعاب ثقافات متعددة على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بالاعتراف بحق التجمعات الثقافية و الاثنية وحق ممارسة طقوسها بما لا يؤثر على القوانين العامة.(16)

بصورة عامة فإن ظاهرة الهجرات البشرية ظاهرة طبيعية في تطور المجتمعات منذ فجر التاريخ، وقد ساعدت في انخراط الشعوب وانصهارها وتفاعلها، وأدت الى حروب ومآسي في بعض الأحيان، لكنها أدت ايضاً الى إنشاء بلدان وحضارات.

المشكلة التي تعيق الاندماج مقارنة مع مهاجري أوربا الجنوبية هي الاختلاف الديني والثقافي بين المهاجرين العرب وبلدان إقامة الهجرة.

والمشكلة الأخرى التي تعيق اندماج المهاجرين هي مسألة الارتباط بين المهاجرين وبلدانهم الأصلية من جهة، والتاريخ السياسي بين أوربا وتلك البلدان من جهة أخرى. فالبلدان المصدرة للهجرة كانت مستعمرة من البلدان الأوربية ونشأ بينها تاريخ طويل من الصراع والحروب مازال يجر أذياله حتى اليوم. وتعاني تلك البلدان من أزمات وصراعات داخلية ليست الدول الأوربية بعيدة عن التدخل فيها.(17)

معهد البحوث الاجتماعية المقارنة في برلين يتحدث عن وجهة نظره الخاصة بشأن كيفية ربط واندماج المهاجرين بمجتمعاتهم الجديدة:

(يتلخص موقفنا في ان اندماج المهاجرين يتم بشكل افضل من خلال تمكينهم من إقامة بُنى تحتية، وبُنى اجتماعية واقتصادية خاصة بهم، ويمكن لذلك ان يشمل منظمات او جمعيات وأماكن خاصة لقضاء أوقات الفراغ وممارسة الشعائر الدينية والتسوق وحتى العمل.

وينبغي لهذه البنى ان تمكنهم من المحافظة على تقاليدهم وعلى خصوصيتهم الثقافية والحضارية قدر الإمكان، فهو بالنسبة لنا عملية يتم من خلالها الارتباط بالمجتمع من دون التنازل عن الخصوصية الثقافية الحضارية، أما الجانب الرسمي فينظر أليها بشكل اقرب الى الإذابة والانصهار منه الى الارتباط والاندماج.

قد يبدو للوهلة الأولى ان تصورنا هذا ينطوي على خطر إقامة تجمعات عرقية او جزر سكانية تزيد من عزلة المهاجرين، ولكن تجاربنا وخبراتنا مع مختلف الأقليات في برلين وخارجها أظهرت ان اكثر المهاجرين قدرة على الاندماج هم أولئك الذين يعيشون في إطار هذه البنى او ما يشبهها. فهي تمكنهم من الاندماج بالمجتمع الجديد من موقع قوة وعدم خوف وبمحض إرادتهم من دون ان يضطروا للتنازل عن تقاليدهم وعن هويتهم الثقافية. وعلى العكس فالاندماج او الإدماج القسري أما ان يفشل او يؤدي الى الانصهار التام بعد الجيل الأول).(18)

مازال بعضهم ينظر الى المسلمين من منظار الطابور الخامس (أي المواطنين المزدوجي الولاء) ولهذا يجب ان نمد أيدينا – والحديث هنا لأحد المهتمين بالعمل الإسلامي في الغرب- الى الدولة ووسائل الإعلام والكنيسة والأحزاب السياسية، وان نخلق جواً متعاطفاً معنا، وان نقدم الإسلام كدين تسامح وتقدم، وان نبدد مخاوفهم من ناحية الجريمة والإرهاب.

ويضيف نفس المتحدث الذي هو من رجال الأعمال المصريين المقيمين في سويسرا منذ عام 1966: الوجود الإسلامي قديم في أوربا، وأصبح حقيقة واقعة، والمسلمون أصحاب حق في هذه البلاد لا يقل عن حق الآخرين فيها. في الحقيقة هناك مجموعة من السياسيين الذين يريدون إرجاع عقارب الساعة الى الوراء والاحتفاظ بأوربا بيضاء نقية مسيحية (وبروتستانتية ان أمكن) ويتناسى هؤلاء ان اكثر الشعوب الأوربية الحالية هم حصيلة هجرات قبائل كثيرة مثل (الكلت) و(القوط) و(الوندال). ومن المثير للعجب ان إحدى القنوات التلفزيونية الألمانية أذاعت برنامجاً ورد فيه ان ولاية (بايرن) الألمانية – وهي معقل الأصولية المسيحية في ألمانيا- هي اكثر جمهوريات ألمانيا تأثراً بالشرق الاوسط!! وان أصول سكانها تعود الى هجرات سورية وعراقية وأرمنية. ويتناسى العنصريون ان التاريخ هو أساساً حركة دائمة للشعوب والأفكار عبر الحدود وان الديانة المسيحية هي أصلا ديانة شرقية.(19)

في حدود هذه الدراسة المعدة نكتفي بمستوى عام من الاستنتاجات والنقاشات الأولية التي تمس الإشكاليات الأساسية التي تعيشها الجاليات العربية (والمسلمة) المقيمة في الغرب.

بالطبع يكون مفيداً الإجابة على جملة تساؤلات أساسية قبل الشروع في أية محاولة للاستنتاج والنقاش، تساؤلات من قبيل:

  • عيش العرب والمسلمين في الغرب، إقامة مؤقتة لأسباب طارئة ام استقرار دائم؟
  • ما هي درجة الاستعداد لتحمل استحقاقات كلا الاحتمالين في إجابة السؤال السابق؟
  • وبالنسبة لوطن الآباء والأجداد .. هل هو مقطع من تاريخ ماضٍ ام هو حضور ومستقبل من خلال ارتباطات و أنماط عيش ومصالح؟
  • وما هو الفهم الذي نحمله عن دور الدين (والإسلام خاصة) في حياة الإنسان والمجتمع؟
  • هل هو الفهم الحضاري المتفاعل مع حاجات الواقع (مع الالتزام بالثوابت)؟ ام هو الفهم الشكلي المتحجر؟
  • وما هي الرؤية التي نتبناها حقاً دوائر القرار في الغرب تجاه الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في بلدانها؟ الاستيعاب والاندماج بالمفهوم الحضاري الإنساني ام الإذابة والانصهار وفق الرؤية العنصرية او الفاشية؟

الذين يطالعون الخلاصات السابقة وتقارير أخرى كثيرة، يتعرفون وبسهولة على وجود آراء ومواقف وتيارات مختلفة بخصوص مسألة منح العربي والمسلم اللاجئ او المقيم لفترات طويلة في الدول الغربية، جنسية هذه الدول ومنحه نفس الحقوق القانونية لمواطني تلك الدول الأصليين.

الموقف الأول: وهو الذي يدعو الى التشدد في هذه المسألة، لصعوبة اندماج أولئك اللاجئين او المهاجرين في المجتمعات الغربية، وهذا يؤدي بحسب زعمهم الى نمو اجتماعي فوضوي وعشوائي، ونشوء (غيتوهات) منعزلة عن المجتمع. ويرفض هذا الموقف ان يتحول الدين الى ذريعة للتقوقع. بل ويدعو المتشددين ضمن هذا الموقف الى تشجيع او إرغام المهاجرين على العودة الى بلدانهم الأصلية، لأن هذه المجموعات البشرية القادمة من الشرق لا علاقة لها إطلاقا بالبنى الاجتماعية الأوربية، ناهيك عن مخاوفها إزاء الأوربي وثقافته الخطرة.

وللأسف يتم تبني آراء هذا الموقف لأغراض سياسية بحتة من قبل جماعات سياسية لها اجندتها الخاصة في الصراع أو التنافس الانتخابي مع الحكومات القائمة.

الموقف الثاني: وهو الذي تتبنّاه شريحة واسعة من القوى الليبرالية واليسارية بل وحتى بعض رجال الكنيسة إضافة الى اغلب النخب الحاكمة في العالم الغربي، والذي يدعو الى عدم التمييز، وتطبيق القوانين المعتمدة، ومنح الجنسية لمن يستحقها بموجب القانون. وهذا يؤدي بحسب نظرتهم الى الحيلولة دون انتظام المقيمين الأجانب ضمن أطر خاصة بهم. وسيضعف ميولهم للتفاعل مع المشكلات السياسية والقومية و الاثنية المستوردة من بلدانهم. بينما تعقيد عملية التجنيس يجعل الأجانب اكثر استعداداً للانخراط في الانعكاسات الخارجية لتلك الصراعات في الخارج.

و أصحاب هذه الموقف يعتقدون بان العرب والمسلمين المقيمين في الغرب اصبحوا جزءً من المجتمعات الأوربية ويتعين فهمهم حتى يمكن التعايش في مجتمع ديمقراطي لا عزلة فيه ولا تهميش.

المصـادر:

  1. فاتشيت ديريك – طريق تفاهمنا حول الإسلام طريق فيها اتجاهات، محاضرة منشورة الى صحيفة الشرق الأوسط، العدد 6886، الأحد 5/10/1997
  2. كينكتون باتريك – نعتمد مبدأ الدمج الفردي من خلال منح الجنسية، صحيفة الحياة، العدد 13193
  3. غيشار سيرج- لا توجد مشكلة مهاجرين والهجرة مصدر اغناء وتنوع، صحيفة الحياة، العدد 13194
  4. خوري أرليث و رندا تقي الدين- الموقف الفرنسي: ذروة التطرف..ذروة التفهم، صحيفة الحياة، العدد 13194
  5. الخطيب ماجد – مناقشات ساخنة حول تعليم مادة الدين الإسلامي في مدارس ألمانيا، صحيفة الشرق الاوسط، العدد 7537، الأحد 18/7/1999
  6. الخطيب ماجد – القوانين الليبرالية للتجنس تزيد من اندماج الأجانب في أوربا، صحيفة الشرق الاوسط، العدد 7425، 28/3/1999
  7. طربوش سوزانا – العرب في بريطانيا.. غالبيتهم من العراقيين والمصريين، صحيفة الحياة، العدد13205
  8. خليفة محمد – في السويد مليون مهاجر..نصفهم أوربيون ونصفهم مسلمون، صحيفة الحياة، العدد 13198
  9. الجيل الثاني فرض على هولندا تغيير سياستها – صحيفة الحياة، العدد 13199
  10. غضبان رالف – توضيحات عن ألمانيا والهجرة، صحيفة الحياة العدد 13292، 30/7/1999
  11. الفريضي نور الدين – حركية الهجرة داخل المجتمع البلجيكي، صحيفة الحياة، العدد 13192
  12. حويلي علي – الماضي والحاضر في بيان حال العرب في كندا، صحيفة الحياة، العدد 12978، الثلاثاء 15/9/1998
  13. علم الدين غسان – طلاب عرب في استراليا يحاولون يومياً تجاوز العنصرية للعيش في الوطن البديل، صحيفة الحياة، العدد 13034، 10/11/1998
  14. ياسين ناصر – هواجس وهموم الجالية المسلمة في بريطانيا في التسعينات، صحيفة الحياة، العدد 2878، الأربعاء 12/8/1998، السنة العاشرة
  15. شليبة زهير – الجاليات المسلمة أدهشت الاسكندنافيين، صحيفة القدس، السنة التاسعة، العدد 2697
  16. عز الدين قاسم – هل تتمكن الجاليات العربية من التأثير في السياسة الأوربية؟ صحيفة الحياة
  17. عز الدين قاسم – ملاحظات ختامية حول قضايا الهجرة: أهمية سعي المهاجرين لتشكيل ثقل سياسي، صحيفة الحياة
  18. ايرزدز احمد – نجاح الاندماج يقتضي الحفاظ على الإرث الثقافي، صحيفة الحياة
  19. عيد ثابت – العمل الإسلامي سيظل محدوداً، صحيفة الحياة، العدد 13251، 19/6/1999

مـنـاقـشـة واسـتـنـتـاج

ماذا نريد قوله من خلال استعراض الدراسات الثلاث السابقة التي يتضح من تواريخ نشرها إنها لم تُكتب بلغة (الموجود في السلطة) وانما بلغة الباحث السياسي، الذي لم يعتمد حسابات السلطة ومصالحها، باختصار شديد نريد التأكيد على النقاط التالية:

أولاً – ما يطفو على السطح الثقافي العراقي من انماط خطاب (في هذه المرحلة) لا يعّبر في مجمله عن الاتجاهات الثقافية للمجتمع العراقي ولا للنخبة المثقفة العراقية، والعراقيون عموماً هم من المثقفين بالمقارنة مع مجتمعات عالمثالثية أخرى. وانما تُعبرّ بعض تلك الأنماط عن ردود فعل طبيعية لمكونات عاشت التهميش والإقصاء والكبت لعقود طويلة من الزمن، وهاهي تحاول في السنوات الأولى بعد سقوط الدكتاتورية إثبات هويتها وتأكيد حضورها في الوطن وفي صناعة هوية المجتمع وصناعة قراره السياسي.

ثانياً – وفي المقابل ما تسعى اليه بعض القوى والأوساط المعبّرة عن النظام السابق وعن الأوساط والدوائر الإقليمية التي كانت مستفيدة من وجوده واستمراره، هو تقمّص هوية الخطاب المذهبي المقابل الذي يريد الإيحاء بأن سقوط نظام دكتاتوري قمعي يعني سقوط هوية مذهب.!!، وان مشاركة مكونات أخرى في الحكم كانت مهمّشة لعقود من الزمن يعني تسلط مذهب آخر..!!. هذه المحاولة المستميتة لفرض نهجها كخطاب ثقافي لمكون هام في العراق مدعومة بأجهزة إعلامية إقليمية ذات تمويل كبير ونفير واسع، فاشلة وغير ناجحة ولم تنجح بالتحول إلى قناعة حقيقية لدى المواطنين العراقيين من ذلك المكون. فهي تبرز إلى السطح وقت الأزمات السياسية ومع عمليات القتل وإسالة الدماء في الشوارع والأسواق ولكنها تفتقد إلى الجذور العميقة الحية في الوجدان الشعبي مع ما هو معروف من درجات عالية من التسامح لدى المجتمع العراقي بدلالة استمرار التعددية الدينية والقومية والمذهبية والحضرية لقرون طويلة.

ثالثاً – المحاكاة (المفرطة في التبسيط) للظواهر الاجتماعية والسياسية في المجتمعات الغربية، واعتمادها معياراً في بحث مسائل الهوية الوطنية (المواطنة) والهويات الفرعية (الانتماءات الدينية والمذهبية والقومية... الخ) تفقد الباحث واحدة من أهم شروط نجاحه وهي العلمية وبالتالي الحيادية ويبدأ باقتراح حلول لمشكلات لا وجود لها في مجتمعاتنا او باستيراد حلول جاهزة لمشكلات محلية لم تُفهم جذورها الحقيقية وملابساتها التاريخية والاجتماعية.

فيجب ان يرضخ البعض من الباحثين (رغماً عن مزاجه النفسي والعصبيات التي يحملها) إلى ان بعض المكونات الثقافية للهوية العراقية هي بالأصل عناصر هوية حضارية لواحدة من المكونات العراقية التي لها حصة الأسد في تشكيل الهوية الوطنية العراقية بسبب عراقة حضور ذلك المكون وعمق تأثيره الفكري والاجتماعي في المجتمع.والمجتمعات الأوربية زاخرة بأمثلة واضحة لهذه الحقيقة التي يقبلها البعض هناك ويرفضها هنا.

رابعاً – ومن دراستنا لواقع تعامل المجتمعات الغربية مع الجاليات العربية والمسلمة عندهم سوف نكتشف او نتعرف على قوانين اجتماعية هامة يُمكن الاستفادة منها في بناء أوطاننا:

  • لابُد من الاعتراف بأن مجتمعاتنا او مجتمعنا العراقي، مجتمع تعددي الثقافات والديانات والمذهب والقوميات.
  • لابُد من ضمان المساواة للجميع في ظل القانون بغض النظر عن الدين والمذهب والأصل العرقي...
  • ان اندماج المكونات بالمجتمع يتحقق عبر مجموعة من الوثائق كالجنسية ومن المؤسسات والمساواة، والتمييز بين مكونات المجتمع من خلال تصنيف نوع الجنسية وشهادة الجنسية هو تدمير للمجتمع.
  • الاندماج لا يعني (الذوبان) وانما يعني الارتباط بعلاقة طوعيه وديمقراطية قائمة على الاختيار الحر وفي إطار التعددية واحترام الخصائص المميزة لكل فئة قومية او اجتماعية او مذهبية ودينية. ان النسيج البشري غير المتجانس يحتفظ دون إكراه بقيمه ومُثله وعاداته وتقاليده ويجب ان يحظى إلى ذلك بكامل الحماية والرعاية القانونيتين.
  • يجب ان يتخلّى بعض منظّرينا عن ذلك المنهج الذي استمرت الحكومات الدكتاتورية بترويجه لعقود من الزمن، وهو منهج وضع (الوطنية) و (المواطنة) في مقابل الخصوصية الثقافية والحضارية لكل مكون، فالارتباط بالوطن والاعتزاز بالمواطنة يجب ان لا يعني مطلقاً التنازل عن الخصوصية الثقافية الحضارية.

فالتعددية قائمة في وطننا منذ قرون وبقي الوطن واحداً وحيّاً وفاعلاً، وإذا كانت المجتمعات والحكومات الأوربية وانطلاقاً من مصالحها أولا تسعى للاعتراف بخصوصيات جاليات لا يزيد عمر أقدمها عن قرن او نصف قرن من الزمان، فما بالك بمكونات مجتمع عاشت جنباً إلى جنب لعشرات القرون من الزمن.

وفي ختام أعمال الملتقى يُمكن ان تكون التوصيات التالية(الخطاب الثقافي المطلوب)، من ضمن التوصيات المناسبة التي يخرج بها مثل هذا الملتقى.

الخطاب الثقافي المطلوب

  1. الاعتراف بالتنوعات القومية والدينية والمذهبية والاجتماعية ووحدة العراق في تعايش كل مكوناته.
  2. احترام خصوصيات العناصر المتنوعة المكونة للمجتمع العراقي في مجالاتها الخاصة.
  3. عدم اشتراط ترك الخصوصيات كشرط للوحدة والمواطنة (وهو المعنى المتحضّر لمفهوم الاندماج، الذي يتبنّـاه اليساريون في فرنسا في مقابل موقف اليمين الفرنسي المعروف).
  4. إدانة خطابات التكفير والتخوين والتهميش.
  5. نقد المعيار الطائفي (المذهبي) والمعيار العنصري (القومي) في توصيف الأزمة العراقية وفي وضع الحلول والمعالجات لها.
  6. وضع المصطلحات المتداولة الحسّاسة في سياقها العلمي الصحيح. (الطائفية – المحاصصة – الوحدة الوطنية – العصبية ... الخ) وعدم التلاعب بمضامينها لخدمة مصالح سياسية ضيّقة.
  7. التصاق بعض الهويات الثقافية والاجتماعية بإحدى المكونات (من حيث النشأة) يجب ان لا يكون مانعاً من اعتبارها من مكونات الهوية الوطنية العراقية، واعتبار احترام الهوية الحضارية للشعب العراقي شرط من شروط بناء الوطن.
  8. إيجاد آلية جادة لتحقيق التواصل بين قادة الفكر والثقافة ومن مختلف الانتماءات السياسية العراقية وبين صانعي القرار في الدولة العراقية.
  9. أهمية وجود مراكز ومعاهد تهتم بنتاجات المفكرين والمنظرين وتعتمدها في ترشيد انماط الخطاب الثقافي في العراق.
  10. التصدي للتدخل الثقافي الخارجي السلبي والضار المدفوع بأهداف سياسية معادية لمصالح العراقيين.